يمر حزب الله في حالة استجداء لوقف إطلاق النار مع إسرائيل، ودون معارضة منه على نشر الجيش اللبناني حتى الحدود الدولية مع إسرائيل، تطبيقاً للقرار 1701 الذي كان يرفضه، لكن إسرائيل ليست على استعداد للاستجابة ما لم يعد سكانها إلى بيوتهم في شمال إسرائيل، وتحريك قوات الحزب من الحدود إلى داخل لبنان، وهو يعني استمرار عدوانها على لبنان، للقضاء على قوة حزب الله، بغارات متواصلة على مواقعه، ومخازن سلاحه، وأينما كان هناك من مكان فيه عناصر من الحزب.
أما وقد فقد حزب الله أمينه العام وقادته، وخسر الكثير من مواقعه، وقضت إسرائيل على جزء كبير من مخزونه من السلاح، فقد أصبح يتجه إلى ما هو أسوأ مع استمرار الضربات بهذا العنف والاستمرارية والتصميم على جعله ضعيفاً وغير قادر على تشكيل خطورة على إسرائيل، بعد أن نفذت وحققت تل أبيب بنجاح الكثير من أهدافها، دون وجود سند وتعضيد له من حلفائه، وممن كان يعوّل عليهم، خاصة الجمهورية الإيرانية، التي تمر هي الأخرى بأوضاع خطيرة، ولديها ما يكفيها من المشكلات، بما في ذلك تهديد إسرائيل لأمنها واستقرارها.
في لبنان بدأت الأصوات وموقف الأحزاب والحكومة والشعب تخرج عن طورها في الصمت وتجاهل ما يجري، مطالبين ببناء الدولة، بعيداً عن هيمنة حزب الله، واستقوائه على الدولة، معتمداً على سلاحه، ودعم إيران، في مقابل ضعف الدولة، بما في ذلك الجيش وحكومة تصريف الأعمال، وحيث إنها بدون رئيس، بسبب تعطيل حزب الله لاختياره ما لم يكن متناغماً مع توجهاته، وبما لا يخرج عن شوره مثلما كان ذلك أيام الرئيس السابق ميشيل عون.
الحزب مع هذه المستجدات ربما اضطر لاحقاً إلى تسليم سلاحه للجيش، ليعود حزباً سياسياً كباقي الأحزاب، وبالتالي لن يكون له ذلك النفوذ السابق، بل ربما تخلى عن إيران كذراع لطهران بعد أن أدرك أن قبوله ليكون ممثلاً لإيران في تنفيذ سياسات طهران لم يكن ذلك لصالحه ولا لصالح لبنان، وأن تخلي إيران عن داعمٍ كان ينتظره أمام ما لحق به من خسائر جسيمة قد أكد له أنه كان يسير في طريق مليء بالألغام دون أن يدرك ذلك إلا بعد أن خسر خلال أيام ما بناه على مدى عقود.
من مصلحة لبنان واللبنانيين أن تُطوى صفحة حزب الله إلى الأبد، وتبدأ الدولة في إعادة بنائها، بتحسين علاقاتها مع أشقائها بعد سنوات من الجفاء بسبب هذا الحزب، الذي حصر مستقبل لبنان بتحويل البلاد إلى دولة فاشلة، ومغيّبة عن أخذ الخيارات المناسبة لتحسين أوضاع لبنان الاقتصادية، وعلاقاته الدولية، والعمل على الاستثمار في السياحة، والتجارة، وكل ما كانت البلاد تتمتع به من مقومات جعلت من لبنان في الماضي وجهة للعالم، ومحط اهتمامه.
إن على اللبنانيين أن يدركوا الآن قبل الغد أن بلادهم تمر بمنعطف خطير، وعليهم استثمار التطورات الجديدة، في التخلص من التحديات بالعمل الجماعي الذي يمنع عودة المعوقات إلى ما كانت عليه، وتصحيح ما كان يشّل مستقبل البلاد، بروح من المسؤولية، وعدم الارتهان إلى أي دولة أو جهة داخلياً وخارجياً، مما لا قدرة لهذا البلد الصغير من تحمل تبعات التخريب والفوضى والتدخل في شؤونه الداخلية التي كان سجيناً لها.