لطالما تكررت وعود الأنظمة الحاكمة والأحزاب بمنح الأقليات والقوميات المتعايشة ضمن حدود دولهم حقوقاً مشروعة، لكنَّ التاريخ مليء بالأدلة على عدم صدق هذه الوعود. من أميركا التي شهدت صراعات طويلة مع السكان الأصليين والهنود الحمر، إلى بريطانيا في تعاملها مع الأيرلنديين، وصولاً إلى نزيف دماء الأقليات الدينية والعرقية مثل الشركس والأمازيغ والأرمن والمسلمين في بعض دول شرق آسيا، حيث تتجلى صورة واضحة لعدم الالتزام بحقوق الأقليات. وبالحديث عن الأكراد، فإنهم يواجهون تحديات كبرى ضمن مربع جغرافي يضم تركيا والعراق وإيران وسوريا. هذه الدول تتشارك تاريخاً طويلاً من الصراعات العسكرية والسياسية ضد الأكراد، بدءاً من اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت مناطقهم وفقاً للحدود الحالية دون اعتبار لمصالحهم القومية.
خلال السنوات الأخيرة، ظهرت بعض المحاولات للاعتراف بجزء من حقوق الأكراد، كما حدث في العراق وإيران، بينما بقيت تركيا في حالة صراع دائم معهم. ورغم ادعاء السلطات التركية بين حين وآخر بالسعي لإحلال السلام، إلا أن مئة عام من عمر الجمهورية التركية أثبتت عدم مصداقيتها تجاه الأكراد. تاريخ تركيا حافل بتجارب قاسية للأكراد، منها القتل والتدمير تحت مسمى "السلام"، ما يجعل أي حديث عن السلام محفوفاً بالقلق والشك.
التوجه اليساري في حركة حزب العمال الكردستاني كان أحد الأسباب التي أضعفت موقف الأكراد أمام السلطات التركية، خاصةً مع غياب البعد الديني في الحركة. واليوم، يتجدد الحديث عن السلام، وسط نقاشات حول إمكانية إطلاق سراح عبد الله أوجلان، الزعيم الكردي المسجون، بعد سنوات من منع زيارته، إذ يرى بعض النخب الكردية أن خروجه قد يسهم في تغيير مسار الصراع الكردي - التركي.
في ظل التحولات الجارية في المنطقة، بدءاً من الصراع العربي الإسرائيلي والصراع الأميركي الإيراني، إلى التنافس الروسي الأميركي، وانسحاب القوات الأميركية من العراق، تجد تركيا نفسها أمام ضرورة تغيير سياساتها الداخلية والخارجية. يرى البعض أن الأكراد يلعبون دوراً محورياً في هذا التغيير، وأن إطلاق سراح أوجلان قد يشكل نقطة تحول في مسار المطالبة بحقوق الأكراد.