هولاكو من الجو

تعمد "الإسرائيليون" منذ بداية هذه الحرب خطة الفظاعة. حرب، ولكن أضعاف ما يجرى فى الحروب. من أجل قتل فرد فى مبنى، يُقتل ٢٠٠ إنسان فى مجموعة مبانٍ. ومن أجل محاربة "حماس"، تدمير كل غزة، وضرب الضفة. ومن أجل إذلال لا يُنسى، إرغام الناس على الانتقال من مكان إلى مكان، ثم إعادتهم إلى المكان نفسه، ثم الدورة ذاتها- وبؤس المذلة مكررةً.

فى غزة.. دمّرت كل غزة، وفى لبنان، جرفت كل ما هو "بيئة حزب الله" مثل خطوط الفلاحة. واللبنانيون الذين حاولوا الاحتماء بالآثار التاريخية طاردتهم إلى الآثار. كل شىء بإمعان. كل تنكيل بعمد وقصد وإمعان. لمدنى أو عسكرى أو أثرى. خُمس لبنان على الطرقات. مطرود من المدن. والليل مثل النهار. وبعلبك مثل طرابلس، وطرابلس مثل عكار. ملاجئ ملاجئ. كل ثمانية أنفار فى غرفة، وتحت الدرج. والإنذار الإسرائيلى وراء الإنذار: على "سكان القرى التالية مغادرتها فورًا حرصًا على سلامتهم". وأما بيوتهم فسوف تُدمَّر من ورائهم، وأما إلى أين يعودون، فاطمئنوا، سيكون هناك إعمار.

لكن من الآن وإلى حين البدء فى تعمير خرائب العرب، تكون دولة "الشر الأكبر" قد رفعت العقوبات، وتحسن سعر صرف الطوفان.

إلى ذلك الحين المشاعر تتدفق على إيقاع القصف الإسرائيلى. والبث التلفزيونى يُقطع لكى يعلن جيش الدفاع الأماكن التى سوف تُمحى بعد دقائق. اهربوا حرصًا على سلامتكم. لا وقت لحقيبة ولا حتى لمعطف. لا وقت لشىء. حان موعد الغبار الثانى. هولاكو حريص على سلامة الأهالى.

هذا هو الشرق الأوسط الجديد. حطام الأرواح، وحطام النفوس، وحطام البيوت، ومقابر تُقام على عجل. الجديد فى الشرق الأوسط الجديد هو هولاكو الطائر. هولاكو من الجوّ. على أهالى بعلبك إخلاء بيوتهم فورًا. وأهالى حارات صيدا والعديسة وصور وجوارها والنبطية، وسراييفو وسربرنيتسا، وكل تطهير عرقى، وخرائط عنصرية.

يترك هولاكو خلفه جبالًا من القرارات الدولية، وصور الأطفال الجوعى، واليتامى الجدد، ودموع "المجتمع الدولى" العقيم. والأمريكيون إلى صناديق الاقتراع. ومبروك سلفًا لمَن سوف ينام نومًا عميقًا فى البيت الأبيض، بين كوابيس هذا العالم.

المصري اليوم

يقرأون الآن