مستقبل العلاقات الأميركية - الصينية

في غضون أسابيع قليلة سيحل دونالد ترامب في البيت الأبيض، وتعد قضية مستقبل العلاقات الأميركية -الصينية أهم موضوع يشغل مفكري السياسة الدولية في الوقت الراهن. إذ تتحدد أمور كثيرة في العالم بناء على طبيعة هذه العلاقات، بما في ذلك احتمالية اشتعال حرب عالمية ثالثة.

والعلاقات الأميركية - الصينية تتخذ نمطاً تنافسياً معلناً منذ 2008، حيث تدور في إطار حرب باردة حقيقية على المستويات كافة. بينما يكمن الفرق فقط بين الإدارات الأميركية أو ما بين الجمهوريين والديمقراطيين حول الإستراتيجيات التي يجب تنفيذها للتصدي للتحدي الصيني.

ولنبدأ بترامب، خصّص ترامب جانباً كبيراً من حملته الانتخابية للصين، لكن قد غلب عليه النقد والإدانة، وليس استعراض إستراتيجيته لمواجهة الصين. وبصفة عامة، اتصفت سياسة ترامب السابقة تجاه الصين بالسياسة غير المتسقة. إذ غلب عليها التصرف المنفرد الذي انعكس في إشعال الحرب التجارية ثم الحرب التكنولوجية؛ مهملاً أركاناً كثيرة ضرورية لتصدٍّ فعّال للتحدي الصيني والتي منها تعزيز العلاقات مع الحلفاء، والقوة الناعمة، وتعزيز القوة العسكرية، والحضور القوي في آسيا.

ويتبدى من مجمل تصريحات ترامب بصورة عامة منذ هزيمته في 2020 حتى وقتئذ؛ عزمه أو إصراره على مواصلة نهجه الخاص في السياسة الخارجية المختلف تماماً عن النهج التقليدي للولايات المتحدة، أو بالأحرى النهج الجمهوري الذي ينتمى إليه ترامب. ويرتكز هذا النهج على مزيج من الشعوبية والانعزالية والانتقائية، بحيث تتم ترجمته في التركيز على قضايا محدودة يرى فيها ترامب أنها تشكّل تهديداً جسيماً على واشنطن، أو تحقق لواشنطن مزايا اقتصادية هائلة، ويتم التعاطي معها وفقاً لسياسات محددة. وفي حالة الصين، قد ارتأى ترامب أن الحرب التجارية هي الإستراتيجية الأمثل للتصدي للتهديد الصيني.

واستناداً إلى ذلك، فسياسة ترامب العامة تجاه الصين لن تختلف كثيراً عن السياسة السابقة، حيث التركيز على الحرب التجارية والتكنولوجية ربما بصورة أقسى. وعليه أيضاً، فمن المرجح أن تشهد العلاقات الأميركية - الصينية في عهد ترامب، درجة عالية من التوتر والتنافس-كما في السابق- لكن رغم ذلك، لم تنجرف هذه العلاقات إلى مستوى الصراع أو الصدام المباشر. إذ لا يحبذ أو لا يؤمن بمنطق الحروب العسكرية، ويسعى إلى تقويض مسببات ذلك، وفي حالة العلاقات الأميركية-الصينية هي بالدرجة الأولى استمرار الدعم العسكري لتايوان، وتضخيم الحضور العسكري والتحالفات الأمنية في المحيطين الهندي- والهادئ.

ولا شك أن استمرار الحرب التجارية العنيفة على الصين يؤثر تأثيراً بالغاً عليها، لكن مع ذلك لن تنجرف الصين إلى مواجهة أو صدام عنيف إلّا بخصوص مصالحها الحيوية الأساسية وعلى رأسها الدعم القوي لانفصال تايوان.

وبالمقارنة مع إستراتيجية الديمقراطيين فإن إستراتيجيتهم متماسكة شاملة بقدر كبير. حيث شملت حشد التحالفات كعنوان رئيسي لها، جنباً إلى جنب مع استمرار الحرب التجارية والتكنولوجية، وتعظيم القوة الناعمة الأميركية في العالم عبر النهج التعددي، والدعم القوي السياسي والعسكري لتايوان. فضلاً عن ذلك، السعي إلى فتح مجالات للتعاون أو التكيف مع الصين خاصة في المجالات التي تحتاج إرادة جماعية كقضية التغير المناخي.

فنهج بايدن خاصة، ونهج الديمقراطيين عموماً، يرتكز على وضع العلاقات الأميركية - الصينية في إطار التنافس-التكيفي أو التعاوني، وليس الصراعي- الصفري.

إذ يعمل هذا النهج على تقويض القوة الصينية بالطرق كافة دون الانخراط في صدام عسكري أو مباشر.

والمشكلة في هذا النهج، أنه لم يعد قادراً على ضبط حدود التنافس مع الصين. بسبب تحدي الأخيرة له على خلفية التنامي المفرط في قوتها ونفوذها. والشاهد على ذلك التوتر المستمر بين الصين وإدارة بايدن لاسيما على خلفية دعم تايوان.

hgvhd

يقرأون الآن