أصبح الآن إيلون ماسك، المهاجرُ الجنوب أفريقي والرجل الأغنى في العالم، عضواً بارزا في محيط الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب. وتفيد بعض التقارير بأن ماسك أنفق 277 مليون دولار على الأقل لمساعدة ترامب على حشد وتعبئة الناخبين "الجمهوريين" في الولايات التي كانت محل تنافس انتخابي شديد، وخاصة بنسلفانيا. ومنذ فوز ترامب، أنشأ ماسك ما يبدو أنه مقر إقامة شبه دائم في محل إقامة ترامب بمنتجع بالم بيتش في ولاية فلوريدا. وقد كانت جهود ماسك الرامية إلى عرقلة تمرير مشروع قانون الكونجرس الأخير لتمويل الحكومة الأميركية لبضعة أشهر، جهوداً جريئةً وعلنية.
ومسألة ما إن كانت العلاقة الوثيقة جداً لماسك بترامب ستصمد وتستمر أم لا، باتت محل تكهنات وأقاويل. ذلك أن ترامب يكره التعرض للسخرية أو أن ينعته الآخرون بالتابع أو النائب لغيره. ومن المعروف عنه أنه نحّى زملاء مقربين تحدوا شهرتَه ومكانتَه، سواء عن قصد أو عن غير قصد. وقد عجّت إدارته الأولى بعلاقات ساءت في نهاية المطاف مع العديد من مستشاريه المقربين.
ولكن هل يكون ماسك شخصية أغنى وأقوى من أن يتم التخلي عنه؟ بصفته صاحب شركتي "تيسلا" و"سبيس إكس"، اللتين تُعدان من أنجح الشركات في العالم، يتمتع ماسك بنفوذ كبير وواسع، نفوذ تَعزز وازداد أكثر عقب شرائه موقعَ "تويتر"، الذي أصبح الآن "إكس"، في عام 2020، والذي درج على استخدامه مؤخراً من أجل التعليق على السياسة والاقتصاد والقضايا الاجتماعية.
ماسك شكّل في الآونة الأخيرة فريقاً مع رائد أعمال آخر هو فيفيك راماسوامي الذي كان قد أسّس شركة أدوية ناجحة "رويفانت ساينسز"، من أجل العمل معاً لتولي قيادة هيئة استشارية لخفض التكاليف تدعى "وزارة الكفاءة الحكومية". ومازال الغموض يكتنف الكيفية التي ستعمل بها هذه الوزارة وحجم النفوذ الذي ستتمتع به، لكن لوظيفتها علاقة بمقترحات ترامب الرامية إلى تقليص الإنفاق التبذيري في الحكومة، وبالتالي تقليص عدد الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم من الحكومة الفيدرالية. فهؤلاء الأشخاص أصبحوا يشكّلون، في نظر أنصار تيار "ماغا" ("اجعلوا أميركا عظيمة من جديد")، "الدولة العميقة" التي يجب تقليصها بشكل كبير. لماذا؟ لأن هؤلاء الموظفين الفيدراليين، الذين يتمتعون بالعديد من الحقوق القانونية التي تضمن أمنهم الوظيفي، هم المسؤولون عن اللوائح الجديدة التي لا تنتهي والتي تفرض قيوداً على أنشطة الجميع، وخاصة رواد الأعمال الذين يرغبون في تطوير مشاريع جديدة في ظل أقل قدر من الإشراف والرقابة.
بيد أن المعضلة الأخلاقية التي تواجه ماسك وجهوده الرامية لتقليص الإنفاق الحكومي تتمثل في أن شركاته أصبحت ذات أهمية كبيرة بفضل العقود الحكومية، وخاصة تلك التي حصلت عليها من "الإدارة الوطنية للطيران والفضاء" ("ناسا")، والتي توفّر الدعمَ الأساسي لبرنامج ماسك الفضائي الناجح. وهو برنامج ازداد حيوية وربحية في الآونة الأخيرة، لاسيما في ظل المشاكل التي تواجهها شركة "بوينغ" التي تُعد أحد أكبر منافسيه في برنامج الفضاء. وعلاوة على ذلك، فإن انخراط ماسك الحالي في السياسة الأميركية ليس له أي صفة رسمية. ذلك أنه لم يُنتخب لأي منصب. كما يحاجج العديد من منتقديه بأن أمواله ستضمن له حصانة من الإدارة "الجمهورية". ومن المرتقب أن يركز "الديمقراطيون" على هذه القضية التي قد تصل إلى المحاكم في النهاية.
ما لا يمكن تجاهله هو أن ماسك شخصيةٌ استثنائية ومهندس عبقري صمّم وأنتج وسوّق أول سلسلة ناجحة من السيارات الكهربائية. كما أن برنامجه الفضائي أحدث ثورة في مجال تكنولوجيا منصات إطلاق الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام، مما وفّر الكثير من المال. وتُعتبر شركة "سبيس إكس" عنصراً أساسياً في سعي أميركا المستمر لاكتشافات جديدة في الفضاء، والمرشحةَ الأولى للقيام بمهمة مأهولة إلى المريخ.
والواقع أنه طالما ركز ماسك على التكنولوجيا والابتكار، فإنه سيظل بطلاً شعبياً. غير أن مغامراته ودخوله عالم السياسة قد يتبين أن كل ذلك أكثر صعوبة بالنسبة له، على اعتبار أن النجاح السياسي عادة ما يتطلب مساومات صعبة وتسويات معقدة. وفي هذا الصدد، يتساءل منتقدوه عما إذا كان يمتلك مزاجاً وعقلية تؤهّله للعمل في هذا المجال. والأكيد أن الأشهر الأولى من إدارة ترامب ستقدّم الدليل الذي يؤكد أو ينفي قدرته على الاستمرار في المنصب كمستشار سياسي. وإذا نجح في ذلك، فسيكون قد حقق إنجازاً كبيراً آخر يحسب لرجل معروف بمفاجآته.
الاتحاد