أعطى حزب الله للرئيس ميشال عون ما لم يعطه لرئيس من قبل، ولا حتى للرئيس اميل لحود. وربما يكون عون هو خير مثال على "الوعد الصادق"، كما يحب جمهور المقاومة أن يصف وعود الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله.
فالوعد الرئاسي الذي قطعه حزب الله لعون، كان المعبر الأساس له الى قصر بعبدا، بعدما حوّل المعادلة الى "عون او لا رئيس"، ليأتي من بعده تفاهم معراب وتبني سعد الحريري ليعبّدا الطريق الى القصر الجمهوري.
الا أن هذا الوعد عاد بتبعات جسيمة على "الحزب"، بعدما تحوّل عهد الجنرال الى واحد من أسوأ العهود في تاريخ لبنان لجهة ما شهده من أزمات وانهيار تاريخي للعملة الوطنية والاقتصاد وتحلّل الدولة وارتفاع معدلات الفقر الى نسب مخيفة.
كان الاحراج متبادلاً طوال السنوات الست، فالخلاف الدائم والتوتر الذي كان يتحكم بالعلاقة بين قصر بعبدا وعين التينة، دفع بالحزب مراراً الى التمترس بغير المواقف التي يتمناها حفاظاً على العلاقة مع الرئيس نبيه بري ووحدة الثنائي الشيعي، "فالأستاذ" خط أحمر عريض لدى "الحزب"، ولم يكن من السهل التخلّي عنه في معاركه مع عون. كما لم يكن ليتخلّى عن عون والغطاء المسيحي الذي يوفره له التيار الوطني الحر.
ويُسجّل "للحزب" أنه لم يترك بري وحيداً، وربما تكون معركة وزير المالية والتوقيع الرابع للطائفة الشيعية، خير مثال في عمليات تشكيل الحكومات الأربع من عمر العهد.
في المقابل كان حزب الله سبب احراج دائم للعهد، بدءا من السلاح وفشل عون ببناء الدولة والمؤسسات، التي لا طالما وعد بها في مسيرته السياسية، لكن الامر الواقع لا يمكن أن يجمع ما بين الدولة وثنائية السلاح. هذا اضافة الى الخلافات الكبيرة مع الدول العربية على خلفية مواقف الحزب من دول الخليج وتهريب الكبتاغون الى أراضيها، وقد وصلت الى حد القطيعة وسحب السفراء على اثر تصريحات الوزير جورج قرداحي وقبله وزير الخارجية شربل وهبة ما اضطر عون في المرتين الى الاعتذار من الدول العربية.
هذا الاحراج خرج الى العلن مطلع العام الأخير من العهد، حيث جاهر كل من عون والنائب جبران باسيل بانتقاد حزب الله، وقالها باسيل صراحة "أننا فشلنا في بناء الدولة". وتطور الخلاف والتراشق الاعلامي حينها الى حدود الاعلان عن ضرورة اعادة النظر بتفاهم مار مخايل بعد مرور ١٦ عاماً عليه.
طبعاً كان جزءا من هذا الخطاب انذاك يحمل طابع المناورة السياسية، خصوصاً وأن باسيل يعتبر انه دفع الثمن الاكبر خلال العهد بسبب العلاقة مع الحزب، وذلك بعد ادراجه على لائحة العقوبات الأميركية. وربما كان يطمح الى اصطياد وعد صادق جديد شبيه بالوعد الذي أوصل "الجنرال" قبله الى بعبدا.
التباين ما بين الحزب والعهد والتيار كاد يفرط عقد التحالف بينهما، وكاد هذا الفريق ألا يخوض انتخابات ٢٠٢٢ بلوائح موحدة، مرة جديدة بفعل الخلاف بين "التيار" وبري، الا ان "الحزب" عمل حتى اللحظة الأخيرة على اصلاح ذات البين، وجاءت النتيجة لصالح "التيار" بعد وصول عدد من نوابه بأصوات هذا التحالف في اكثر من دائرة.
ورغم هذا الكباش المستتر، واحياناً المفضوح، بقي "الحزب" يقف خلف عون. وقد باعه انجاز ترسيم الحديد البحرية، رغم أنه كان صاحب الدور الأكبر في الوصول الى هذه النتيجة، تارة برسائل المسيّرات وتارة أخرى بالاشراف المباشر خلف الكواليس.
ولكن المفارقة كانت أن عون تجاهل هذا الدور بالكامل، ولم يأت على ذكر "الحزب" لا من قريب ولا من بعيد في اطلالته التي أعلن فيها موافقة لبنان على اتفاق الترسيم، رغم أنه وزّع "التشكرات" يميناً وشمالاً، ولكن سقطت هذه المرة من خطابه ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، التي بنى عليها الكثير من خطاباته في سنوات العهد الأولى وفي البيانات الوزارية لحكومات العهد.
لضرورات المفاوضات وتفادياً لاحراج عون أمام الأميركيين، تغاضى "الحزب" على مضض ربما عن اسقاطه من كتاب الشكر الرئاسي، فمن بلع البحر "ما بيغصّ بالساقية"، ودائماً على قاعدة "لعيونك جنرال".
نادر حجاز - موقع mtv