انتظر الجميع القمّة العربية الخاصة بغزّة، لتقديم تصوّر مضاد لمخطّط الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لتهجير سكان القطاع تحت عنوان "إعادة الإعمار". تبنّت القمّة ما باتت تُعرف بـ"الخطة المصرية" الخاصة بقطاع غزّة وإعماره من دون إخراج السكان، بل نقلهم إلى مناطق مجهّزة بكرافانات ريثما تنتهي مهمة إعادة الإعمار. قدّمت الخطة أيضاً تصوراً لكيفية إدارة القطاع بعد نهاية الحرب، مستندة إلى تشكيل لجنة مستقلّة تتولّى إدارة شؤون القطاع خلال مرحلة انتقالية تمتدّ ستة أشهر، على أن تتألف من شخصيات تكنوقراط مستقلين تحت مظلة السلطة الفلسطينية.
ورغم ما بدا أنه إجماع عربي على هذه الخطّة، فإن واقع الحضور والغياب في القمة أظهر أن هناك أطرافاً من المفترض أن تكون مشاركتها أساسية في تنفيذ الخطة، غير راضية تماماً عنها، فعدم حضور ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ومعه رئيس الإمارات محمّد بن زايد وأمير الكويت مشعل الأحمد الجابر الصباح، إضافة إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون، يشير إلى أن لا توافق على الخطّة، التي تتطلب مليارات الدولارات على فترة تمتد إلى أكثر من ثلاث سنوات.
وبغض النظر عن غياب الإجماع، جاء الموقفان الأميركي والإسرائيلي من البيان الختامي للقمّة العربية ليدمرا أي أمل في أن ترى خطّة إعادة الإعمار النور، حتى لو عبر تجسير فجوات الخلاف العربي حولها. ويمكن القول إن الإعلان عن الخطّة زاد من تعقيد الحديث عن مستقبل قطاع غزّة، خصوصاً مع عودة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى نغمة تهجير السكّان لإعادة الإعمار، فرغم أن ترامب تراجع، في أحد تصريحاته، عن الفكرة، إلا أنه عاد إليها مباشرة بعد البيان العربي، وأرفقها بتهديداتٍ مباشرةٍ إلى سكان القطاع وحركة حماس.
انضمّ ترامب أيضاً إلى الموقف الإسرائيلي في ما يخصّ نزع سلاح "حماس"، وطرد قادتها من قطاع غزّة شرطاً للبدء في وضع خطط إعادة الإعمار في المستقبل، بعد التفاهم على آلية وهوية من يدير غزّة بعد الحرب، في ظل الرفض الإسرائيلي لأي دور للسلطة الفلسطينية في المرحلة المقبلة، فضلاً عن أي وجود لـ"حماس".
تندرج هذه الشروط الأميركية والإسرائيلية في إطار ضغوطٍ يمارسها الطرفان على فلسطينيي القطاع لمغادرته "طوعاً"، خصوصاً مع استحالة الحياة بين الركام، وما يحمله ذلك من تفاقم للتلوّث الموجود أساساً في القطاع بفعل الغارات الإسرائيلية، وغياب الخدمات وتكدّس الجثث تحت الأنقاض. ورغم محاولات بعض الغزّيين ترميم ما يمكن ترميمه بحدود الإمكانات المتوفرة، كان الأمل منصبّاً على وضع خطط حقيقية لإعادة الإعمار وإدخال المساعدات لتحسين شروط الحياة في حدّها الأدنى.
لا يبدو أن ذلك سيحصل في الأجل المنظور، فلا حديث قريباً عن خطط إعادة إعمار خارج التصوّر الذي يفكّر فيه الرئيس الأميركي. ومن الممكن أن تتدحرج الأمور إلى الأسوأ، في ظل تعقّد مفاوضات المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس"، فمع انتهاء المرحلة الأولى عملياً قبل أيام، وعدم التوافق على خطوط المرحلة الثانية، فإن الحرب عملياً يمكن أن تُستأنف في أي لحظة، والأمر يقف عند قرار دولة الاحتلال، والتي تتحسّب للموقف الأميركي قبل الإقدام على هذه الخطوة.
من الواضح أن لا انفراجة قريبة للوضع الحياتي في قطاع غزّة، بل هناك مخاوف من انتكاسةٍ تعيد الأمور إلى المربّع الأول، ومخاوف أخرى من تصعيد الضغوط الأميركية لتنفيذ خطة ترامب بعد رفض المبادرة العربية. ضغوط شاهدنا بعض أجزائها على الهواء مباشرة سابقاً، ومن الممكن أن تضعها حلقات جديدة من داخل البيت الأبيض.
العربي