هل تُنعش تقلبات

تبدو أسواق المال وكأنها رقعة شطرنج، تتحرك فيها رؤوس الأموال بين الاقتصادات الكبرى بحثاً عن الاستقرار والفرص. وبينما تتعالى المخاوف من تباطؤ الاقتصاد الأميركي وتتصاعد التوترات التجارية، بدأت الصين تبرز مجدداً كوجهة استثمارية، مدفوعة بانتعاش أسواقها المالية والتقدم التكنولوجي المتسارع.

تجد الأسهم الصينية نفسها في قلب معادلة معقدة، إذ يشكل التراجع في "وول ستريت" فرصة لجذب رؤوس الأموال الباحثة عن بدائل أكثر استقراراً، خاصة مع التحفيزات الحكومية والتقدم في قطاعات مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

ومع ذلك، تظل التحديات قائمة؛ فالتداخل العميق بين الاقتصادين الأميركي والصيني يجعل الأسواق الصينية عرضة لارتدادات سلبية مع كل اضطراب في الأسواق الأميركية، مما يزيد من الضغوط على بكين لمواصلة دعم اقتصادها وتعزيز ثقة المستثمرين في قدرتها على الحفاظ على زخم النمو.

في هذا السياق، يشير تقرير لـ "بيزنس إنسايدر" إلى أن:

انخفاض سوق الأسهم الأميركية بسبب المخاوف بشأن الركود المحتمل، يدفع بعض المستثمرين إلى التفكير في الصين مرة أخرى.

يأتي هذا التغيير في النغمة والاتجاه على خلفية ارتفاع أسواق الأسهم الصينية.

ارتفع مؤشر MSCI الصيني بنسبة 20 بالمئة حتى الآن هذا العام، مسجلاً أفضل بداية لهذا العام في تاريخ الأسهم الصينية.

وتأتي المكاسب القوية بعد عدة سنوات من الأداء الضعيف.

وفي هذا السياق، كتب محللو غولدمان ساكس، في مذكرة صدرت يوم الأحد الماضي، أن صناديق الاستثمار العالمية - التي عادةً ما تكون مستثمرة طويلة الأجل فقط - قد "تجدد اهتمامها بالأسهم الصينية وتدعمها".

وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، فضّل هؤلاء المستثمرون عدم التأثر بارتفاعات الأسعار وخفض استثماراتهم.

وكتبوا أيضاً أن المستثمرين يفكرون في الأسهم الصينية بسبب الاختراقات التكنولوجية التي حققتها الصين وانخفاض حالة عدم اليقين التنظيمي.

كما كرر غولدمان ساكس موقفه بأن ارتفاع السوق الصينية الحالي يختلف عن الارتفاع قصير الأمد في سبتمبر للأسهم الصينية والذي كان مدفوعًا بحزمة تحفيزية قوية من بكين.

وأفاد المحللون بأن التحول السياسي في سبتمبر قلل من مخاطر الهبوط للأسهم، لكن التطورات الأخيرة في مجال التكنولوجيا في الصين تغير قواعد اللعبة .

ويعود الفضل في ارتفاع أسهم التكنولوجيا الصينية إلى الارتفاع الأخير لشركة DeepSeek، وهي شركة ناشئة صينية أطلقت نموذج ذكاء اصطناعي تنافسي من حيث التكلفة.

رسائل "وول ستريت"

يقول مستشار المركز العربي للدراسات، أبو بكر الديب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

تصاعد التوترات الاقتصادية والحروب التجارية يدفع المستثمرين إلى البحث عن الملاذات الآمنة مثل السندات والذهب.

الأسواق المالية شهدت في بداية الأسبوع الجاري تراجعاً ملحوظاً، نتيجة تنامي المخاوف حول قوة الاقتصاد الأميركي، مما أثّر على شهية المستثمرين للمخاطرة.

احتمالات تباطؤ الاقتصاد الأميركي تزايدت بشكل كبير مؤخراً، بفعل الحرب التجارية التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة جراء عمليات تسريح العمالة في بعض القطاعات الحكومية.

"وول ستريت" دفعت ثمنًا باهظاً للسياسات المتقلبة التي ينتهجها ترامب، حيث تعرضت الأسهم الأميركية، خصوصاً شركات التكنولوجيا الكبرى، لموجة بيع مكثفة وسط تصاعد المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي.

ويلفت إلى أن تصريحات ترامب الأخيرة حول احتمالية حدوث تباطؤ اقتصادي، واصفاً المرحلة الراهنة بأنها "فترة انتقالية"، زادت من قلق الأسواق.

وفي المقابل، يشير الديب إلى أن الأسهم الصينية أنهت أولى جلسات الأسبوع على ارتفاع، مدفوعة بإقبال المستثمرين على القطاع التكنولوجي، عقب اجتماع الرئيس الصيني شي جين بينغ مع عدد من قادة الشركات الخاصة، مما عزز التفاؤل بشأن مستقبل الاقتصاد الصيني.

ويشير إلى أن بعض المؤسسات المالية العالمية رفعت توقعاتها للأسهم الصينية المدرجة في الأسواق العالمية، مستفيدة من انتعاش الاقتصاد وارتفاع ثقة المستثمرين (..) بعد أن حدد المسؤولون الصينيون هدفًا طموحًا للنمو بنحو 5 بالمئة في تقرير العمل الحكومي الأخير.

تنويع الاستثمارات

ويشير تقرير لـ scmp الصينية، إلى أن:

تنويع الاستثمارات بعيداً عن الأسهم الأميركية أصبح واضحاً في الأسابيع التي تلت سياسات الرئيس دونالد ترامب الجمركية ضد شركاء الولايات المتحدة التجاريين، والتي زادت من خطر تباطؤ الاقتصاد.

بدلًا من ذلك، يتجه المستثمرون إلى أسهم الصين وأوروبا، التي كانت ضعيفة الأداء وسط موجة شراء محمومة لأسهم التكنولوجيا الأميركية منذ أوائل عام 2023.

ونقل التقرير عن الرئيس التنفيذي لمكتب رؤساء الاستثمار العالمي، غاري دوغان، قوله: "إن العامل الرئيسي وراء هذا الأداء المتفوق هو تحسن العوامل الأساسية النسبية للأسواق خارج الولايات المتحدة"، مشيراً إلى أنه:

"في الصين، تتمتع الحكومة بميزة تكنولوجية وتكلفة أقل من العديد من منافسيها في قطاعات النمو الرئيسية"

"نتوقع استمرار الأداء المتفوق لأسواق الأسهم الأوروبية والآسيوية مؤخراً مقارنةً بالولايات المتحدة".

إن فترة الأداء المتفوق بدأت للتو في عكس مسار سنوات من الأداء الضعيف.

يقرأون الآن