عندما أقرّ الكنيست الإسرائيلي ميزانيته لعام 2025 في الأسبوع الماضي، تنفست حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الصعداء. فلو لم تتم الموافقة على الميزانية بحلول 31 مارس، لكان الكنيست قد تم حله تلقائياً، وتمت الدعوة إلى انتخابات جديدة. وتشير الاستطلاعات إلى أن نتنياهو وائتلافه كانوا سيخسرون خسارة ساحقة. ما أنقذ نتنياهو هو تجديد حربه في غزة.
أدت المفاوضات حول وقف إطلاق النار في غزة إلى انشقاق أحد شركائه في الائتلاف، ونفور بعض أعضاء حزبه، مما وضع حكومته في خطر. وما إن أُعلن عن وقف إطلاق النار، حتى تفاقمت مشاكل نتنياهو. إذ عاد التركيز مجدداً على محاكمته بتهم الفساد وإساءة استخدام السلطة، إلى جانب عروضه المسرحية التي تشبه أسلوب ترامب أثناء استجوابه من قبل المدعين العامين. ومما زاد الطين بلة أن التحقيق المستمر في هجوم «حماس» في 7 أكتوبر كشف عن إخفاقات حكومته. مع انهيار ائتلافه وتدهور موقعه الشخصي، أتاح تجديد الحرب في غزة لنتنياهو مخرجاً. فتمت استعادة ائتلافه، وأُقرت ميزانيته، وقل تركيز الإعلام على محاكمته، كما وافقت حكومته على إقالة رئيس جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلي الذي كان يحمّله مسؤولية هجوم 7 أكتوبر. وأصبح في وضع يسمح له مرة أخرى بمواصلة جهوده التشريعية «لإصلاح» ما يراه عقباتٍ تُمثلها السلطة القضائية الإسرائيلية المُزعجة.
إضافةً إلى ذلك، زادت التحديات التي واجهها نتنياهو مع بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار. فقد شهد العالم مشاهد مؤثرة لمئات الآلاف من الفلسطينيين وهم يتجهون شمالاً للعودة إلى منازلهم المدمرة في شمال غزة. وتعاظمت مشاعر التعاطف مع الفلسطينيين، إلى جانب الاشمئزاز من الدمار الواسع الذي أحدثه القصف الإسرائيلي. كانت هناك عوامل أخرى أثقلت كاهل نتنياهو خلال هذه الفترة. وكما كان متوقعاً، أساءت «حماس» التصرف خلال عمليات إطلاق سراح الأسرى، حيث ظهروا بمظاهر الاستفزاز والغرور.
ربما كان ذلك بدافع إظهار السيطرة، لكنه كان سلوكاً استفزازياً، خاصةً في ظل المعاناة الهائلة التي تكبدها سكان القطاع. ومن المنطقي التساؤل: «كم مرة يمكن لحماس الدخول في عش الدبابير قبل أن تدرك عواقب أفعالها؟» الفلسطينيون في غزة، الذين أظهرت استطلاعاتنا منذ فترة طويلة أنهم يحملون آراء سلبية تجاه «حماس»، يعبرون الآن عن غضبهم تجاه كل من إسرائيل و«حماس». لكن آخر ما يريده نتنياهو هو قيادة فلسطينية بديلة في غزة، لأن ذلك سيهدد استمرار الصراع وبقاءه السياسي.
تضمن اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 19 يناير ثلاث مراحل، حيث كانت المرحلتان الثانية والثالثة تؤديان إلى انسحاب إسرائيلي من غزة وإنهاء الحرب. ولأن المفاوضات حول الاتفاق كلفته بالفعل بعض شركائه في الائتلاف، وعد نتنياهو حلفاءه بأنه لن يسمح أبداً بالوصول إلى المرحلة الثانية. لذلك، بمجرد بدء تنفيذ المرحلة الأولى، بدأ يبحث عن مخرج، مدعياً أن «حماس» تنتهك بنود الاتفاق، ومطالباً بمطالب غير مقبولة سعى إلى إضافتها إلى المرحلة الأولى. ثم جاءت خطة السلام العربية لإنهاء الصراع. كانت الخطة، التي تمثل المرحلة الثالثة من اتفاق وقف إطلاق النار، تدعو إلى انسحاب إسرائيلي من غزة، ونشر قوة حفظ سلام عربية/دولية، وإنشاء إدارة فلسطينية مرتبطة بالسلطة الفلسطينية، ووضع خطة لإعادة إعمار غزة. وقد حظيت هذه الخطة بدعم دولي واسع، ولو تم اعتمادها، لكان ذلك نهاية لحكم نتنياهو في إسرائيل. في مواجهة كل هذه التحديات، شعر نتنياهو بأنه مضطر لإنهاء وقف إطلاق النار.
وتجددت الحملة العسكرية بقسوة، مواصلة سياسة الإبادة الجماعية. على مدار شهر، منعت إسرائيل دخول المساعدات والفرق الطبية إلى شمال غزة، في تطبيق لما كان يُعرف بـ «خطة الجنرال»، والتي تهدف إلى تجويع الفلسطينيين في تلك المنطقة وإجبارهم على المغادرة. كما واصلت إسرائيل قصفها، مما أدى إلى مقتل المئات، وأعادت احتلال مناطق في غزة مع وعود بضمها إلى إسرائيل، وتدرس خططاً لترحيل الفلسطينيين قسراً من غزة، بهدف تقويض أي جهد يُتيح للحكم الفلسطيني، وتسهيل غزو إسرائيل وضمها لمزيد من أراضي غزة. بينما يزعم نتنياهو أن هدفه هو القضاء على «حماس»، فإن الأدلة تشير بوضوح إلى أن نيته الحقيقية هي إنقاذ نفسه وحكومته – ولقد وجد شريكاً مستعداً لمساعدته.
لقد دعمت الإدارة الأميركية الحالية إسرائيل في تدمير اتفاق وقف إطلاق النار نفسه، الذي تباهى به ترامب ذات مرة باعتباره انتصاراً دبلوماسياً شخصياً. وهكذا، وبعد أكثر من شهرين من إعلان وقف إطلاق النار، عاد الفلسطينيون ليكونوا مرة أخرى ضحايا للقتل الجماعي والمجاعة. بدلاً من أن يكون الاتفاق وسيلة لإنهاء الصراع، اتضح أنه مجرد استراحة مؤقتة أو خدعة قاسية تمت التضحية بها من أجل بقاء نتنياهو السياسي.
لا يوجد أبطال في هذه القصة، فقط ضحايا فلسطينيون. وبينما يتظاهر عشرات الآلاف من الإسرائيليين ضد نتنياهو لأنه يعرّض حياة الرهائن الإسرائيليين في غزة للخطر، فقد حان الوقت للدفاع عن الشعب الفلسطيني وخطة السلام الخاصة بهم.
الاتحاد