حرب بلا مسؤولية ودور بلا مسرح

ليس أكبر من الرهان في لبنان على التحولات المتسارعة في المنطقة سوى خوف الممانعة منها ورفع الصوت لتغطية ذلك. وإذا كان المراهنون يصطدمون بأن التغيير بطيء ومتعثر في بعض الأمور الأساسية، فإن لجوء الممانعين للعب بالقواعد القديمة في مرحلة التحولات هو مجرد "قتال تراجعي"، حسب القاموس العسكري. والنتيجة عملية انتحارية لأصحاب الدور وتعريض لبنان للدمار. ولا مجال للعناد في مواجهة التحولات التي تساعدنا في الخروج من الهاوية أو تتركنا، إذا ترددنا، على قارعة الطريق خارج القطار السريع المتجه نحو الاستقرار والازدهار.

والمعادلات واضحة. "حزب الله" ليس في حاجة إلى السلاح لكي يمارس دوره السياسي ضمن الوزن الوطني للمكون الشيعي في التوازن الدقيق داخل النظام. فهذه من طبائع الأمور في الوطن الصغير الذي شاهد تجارب الفشل المدوي لكل هيمنة أو أرجحية حاولت ممارستها طائفة كبيرة منذ الاستقلال: من الموارنة إلى السنة ثم الشيعة. وكل غلبة بالقوة أو بالديموغرافيا أو بفائض قوة خارجية هي في النهاية كارثة. لكن الموقف الذي يراد التسليم به من دون نقاش هو أن السلاح في حاجة إلى "حزبه" لأنه أساس دوره. وهما معاً في حاجة إلى إيران التي تقود "محور المقاومة"، وبالتالي إلى إبقاء لبنان "ساحة" مفتوحة ضمن استراتيجية "وحدة الساحات" للعمل من أجل مشروع إقليمي لا حدود له.

لكن التحولات تجاوزت ذلك. وهي وضعت بعض الأمور في المرحلة الماضية وراءها، وتركت بعضها الآخر للمعالجة بالتفاوض أو القوة. فاللعبة تبدلت. و"الساحة" في لبنان مع الساحات الأخرى مغلقة. أصحاب شعار "الكلمة للميدان" صاروا خارج الميدان عملياً. ولا دور من دون مسرح. فالمهمة الأساسية في لبنان هي بناء الدولة. والتصرف كأن "مشروعية" السلاح الإقليمية أعلى من "الشرعية" اللبنانية الرسمية هو استمرار للتحرك في الخط المعاكس لمشروع الدولة. شيء دون مرتبة الوطن، وشيء عابر للأوطان في وقت واحد. أما الجديد مقابل ذلك المدعوم عربياً ودولياً والمطمئن لأكثرية اللبنانيين، فإنه "حق الدولة في احتكار السلاح"، كما قال رئيس الجمهورية جوزاف عون في خطاب القسم. وما صار من الماضي بعد البيان الوزاري هو "السلاح وثلاثية شعب وجيش ومقاومة"، حسب رئيس الحكومة نواف سلام.

ولا حرب من دون مسؤولية. لكن "حزب الله" الذي بدأ "حرب الإسناد" لغزة يوحي كأن المسؤولية عما حصل هي على عاتق الدولة والقوى اللبنانية الرافضة للحرب، ويقول إنه لولا مقاومته "لما بقي لبنان". وليس إعلان الوقوف وراء الدولة سوى تكتيك موقت وسط رياح المتغيرات، على أمل ألا يدوم هذا الوضع. والانطباع السائد هو أن تشديد الضغط على الدولة محاولة لدفعها إلى التهور أو إظهارها عاجزة عن أن تستعيد، بالدبلوماسية، الأرض التي أدت الحرب إلى احتلال إسرائيل لها. لكن البديل من الدبلوماسية البطيئة أو العاجزة ليس استخدام السلاح الذي يؤدي إلى المزيد من الدمار والعربدة الإسرائيلية. وما دام نزع سلاح المقاومة الإسلامية شرطاً عربياً ودولياً للمساهمة في إعادة الإعمار وعودة الاستثمارات، فإن الدولة في مأزق صعب هو التعامل مع حسابات السلاح المعقدة وبقاء الدمار بلا إعادة إعمار. والكل يعرف أن مفتاح السلام في طهران التي يحشرها الرئيس دونالد ترامب بخيار بالغ الصعوبة: التخلي عن كل الاستثمارات العسكرية والسياسية أو الحرب. والسلاح جزء من حرب الجمهورية الإسلامية بالوكالة.

و"لا أحد يربح حرباً بالوكالة"، كما يقول البروفسور مارك لينش مؤلف "حروب العرب الجديدة".

نداء الوطن

يقرأون الآن