هل هناك تنسيق أميركي - أوروبي تجاه روسيا ؟

بات من الواضح أن الغرب بدأ يدرك صعوبة تحقيق انتصار حاسم على روسيا في الحرب الأوكرانية، بعد أن أثبتت موسكو قدرتها على الصمود رغم الحرب الاقتصادية الشاملة. فالعقوبات الغربية، وإن أثرت سلباً على الاقتصاد الروسي، فشلت في تحقيق هدفها الأساسي المتمثل في شل قدرات روسيا أو إجبارها على التراجع. بل على العكس، نجحت روسيا في تعويض هذه الخسائر عبر إقامة شراكات اقتصادية جديدة مع قوى صاعدة مثل الصين والهند ودول الجنوب العالمي.

دفعت أوروبا ثمناً باهظاً للحرب الاقتصادية على روسيا، حيث تسببت أزمة الطاقة في ارتفاع التضخم وتراجع النمو الصناعي، بينما استفادت الولايات المتحدة من تصدير الطاقة البديلة وتعزيز موقعها الجيوسياسي. أما على الصعيد النقدي، فقد عززت العقوبات مكانة الدولار مؤقتاً، لكنها أيضاً سرّعت من توجه العديد من الدول نحو البحث عن بدائل لنظام المدفوعات الدولاري، مما يهدد الهيمنة المالية الأمريكية على المدى البعيد.

الحرب الإعلامية التي يشنها الغرب تهدف إلى محاولات طمس الحقائق. يصر الغرب على تصوير الاقتصاد الروسي على أنه في طريقه إلى العزلة والانهيار، في محاولة لـ:

1. إخفاء فشل العقوبات في تحقيق أهدافها.

2. تثبيط الدول الأخرى عن محاكاة النموذج الروسي في مقاومة الضغوط الغربية.

3. الحفاظ على وهم الهيمنة الغربية الأحادية.

لكن الوقائع تشير إلى عكس ذلك تماماً، فروسيا لم تنعزل، بل أعادت تشكيل تحالفاتها الاقتصادية بنجاح، مما يؤشر لبروز نظام اقتصادي عالمي أكثر تعددية.

التكتيك الذي تتبعه الدول الغربية متغير بين التشدد والمرونة؛ لأن الغرب لا يريد إظهار ضعف موحد أمام روسيا، لذا يظهر أحياناً تبايناً في الخطاب (لكنه لا يصل إلى تناقض استراتيجي).

وتتبع واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون استراتيجية مرنة تجاه موسكو، تختلف باختلاف موازين القوى الميدانية:

- في أوقات التقدم الروسي، تظهر الانقسامات الأوروبية الداخلية، مع ميل بعض العواصم (مثل برلين وباريس) لخيارات تفاوضية.

- عند تراجع القوات الروسية، تتصاعد الضغوط الموحدة لاستغلال هذا الضعف. لكن القيادة الأمريكية تبقى المحرك الأساسي لهذه السياسة، في حين تتفاوت المواقف الأوروبية حسب المصالح الوطنية لكل دولة.

المستقبل أقرب نحو نظام عالمي جديد؛ حيث تشير التطورات الأخيرة إلى أن الغرب بدأ يدرك محدودية خياراته تجاه روسيا، مما قد يدفع نحو تسويات سياسية مقبولة من الطرفين، وإعادة تعريف العلاقات الاقتصادية الدولية، وتآكل تدريجي للنظام المالي الغربي الأحادي.

المعادلة لم تعد ببساطة «انتصاراً أو هزيمة»، بل تحولت إلى صراع إرادات يعيد تشكيل النظام العالمي، حيث تثبت روسيا أنها لاعب صعب يمكنه التكيف مع التحديات، بينما يواجه الغرب مفارقة صعبة: الاستمرار في سياسات فاشلة، أو الاعتراف ببروز عالم متعدد الأقطاب.

عكاظ السعودية

يقرأون الآن