في مشهد يختزل حالة الجمود السياسي الذي يخيّم على العراق، أطلق النائب هيثم الفهد تصريحات نارية تتهم حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بلعب دور مباشر في تعطيل عمل مجلس النواب، ضمن ما وصفه بـ"تعطيلٍ مقصود" يستهدف قوانين خلافية تهدد مصالح الحكومة وحلفائها السياسيين. تصريحات تفتح الباب واسعاً أمام تساؤلات حادة عن حدود التداخل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ومدى تآكل الديمقراطية العراقية تحت وطأة هذا الصراع الخفي.
حكومة في قفص الاتهام
وقال الفهد إن الحكومة "تدفع باتجاه تعطيل الجلسات البرلمانية بشكل ممنهج"، في محاولة لإجهاض قوانين ذات طابع حساس. من بين هذه القوانين، يبرز قانون سلم الرواتب، وقانون المعلمين، والتعديلات على قانون الانتخابات، إضافة إلى قانون الحشد الشعبي. ويؤكد الفهد أن هذه التشريعات تمسّ مباشرة بنية السلطة وتؤثر على مراكز النفوذ المالي والسياسي داخل الدولة، ما يفسر – برأيه – السعي الحثيث لعرقلتها قبل أن ترى النور.
تحالفات خلف الكواليس
الاتهامات لم تقف عند عتبة الحكومة وحدها، بل امتدت إلى قوى سياسية داخل البرلمان يُعتقد أنها تتماهى مع الرؤية الحكومية. إذ أشار الفهد إلى وجود أطراف سياسية تضغط على نوابها لمقاطعة الجلسات، ما يؤدي إلى كسر النصاب القانوني ومنع انعقاد البرلمان. وبذلك، تتحول هذه الكتل من مجرد حلفاء إلى أدوات تعويق فعلي تمنح الحكومة حرية حركة أكبر، بعيداً عن الرقابة والمساءلة التشريعية.
دورة نيابية بلا إنجازات
في تقييمه للوضع الراهن، عبّر الفهد عن تشاؤمه حيال مستقبل الدورة البرلمانية الحالية، مستبعداً إمكانية عقد أي جلسة نيابية خلال الأشهر المتبقية منها. وذهب إلى القول إن "التعطيل مستمر حتى نهاية دورة 2021–2025"، وهو ما يعزز الانطباع بأن البلاد تشهد نوعًا من "الشلل السياسي المُبرمج"، هدفه تفريغ البرلمان من وظيفته الدستورية وتحويله إلى مؤسسة معطلة عمداً.
لعبة تغييب تشريعي أم تصفية حسابات سياسية؟
تحليل هذا المأزق يطرح عدة احتمالات. فهل تسعى الحكومة فعلاً لحماية استقرارها من قوانين قد تخلّ بالتوازن المالي والوظيفي في مؤسسات الدولة؟ أم أن ما يجري هو محاولة ممنهجة لتحييد البرلمان كسلطة رقابية وتشريعية فاعلة؟ في ظل غياب أدوات قانونية لمحاسبة المتغيبين المتعمدين عن الجلسات، يتحول "سلاح الغياب" إلى أداة سياسية فعالة لتعطيل البرلمان دون ضجيج المواجهة العلنية أو كلفة التصويت.
أزمة دستورية بنكهة سياسية
في المحصلة، تتحول الأزمة من مجرد شلل تشريعي إلى معضلة دستورية تطال جوهر العملية السياسية في العراق. فبدلاً من أن يمارس البرلمان دوره الطبيعي في مراقبة الحكومة والتشريع لصالح المواطنين، يبدو أنه بات محاصَراً من السلطة التي يفترض أن يخضعها للمساءلة. وبذلك، تدخل الديمقراطية العراقية منعطفاً حرجاً، مع برلمان مشلول وإصلاحات مؤجلة، في مشهد لا يُشبه سوى مباراة بلا حكم، والكلّ فيها ينتظر صافرة النهاية.
خاص- وردنا