عن هزيمة المشروع الإيراني

تبدأ الهزيمة الإيرانية عندما تضطر طهران إلى دخول المواجهة مباشرة، عدا ذلك ستكون القيادة الإيرانية متبصرة، تقدم النصح والإرشاد، تفاوض وتماطل وتشهد بـ"مرونة بطولية" على تضحيات أتباعها في أرجاء المشرق العربي.

كانت طهران منتصرة دوماً عندما كانت بعيدة فيما يقوم محورها بمهمة مناوشة العدو. والعدو لم يكن طرفاً واحداً. إنه جبهة على رأسها الولايات المتحدة الأميركية وأنظمة عربية ثم إسرائيل التي تحتل رأس القائمة لضرورات التسويق في شارع عربي تحركه، عن حق، منذ 100 عام شعارات تحرير فلسطين ومظلومية الفلسطينيين.

أنشأت إيران الخميني منظومة كاملة من الميليشيات التابعة داخل دول عربية، كان شعارها المعلن مساندة تحرير فلسطين، وفي سلوكها وممارساتها عملت على تجويف الدول والمجتمعات وإقامة سلطات رديفة قبل الانقضاض على سلطات قائمة. حصل ذلك في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وفي فلسطين، تحت الاحتلال، جرى أمر مماثل عبر دعم منظمات خرجت على منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية.

كان الجدل يدور دائماً بين مؤيدي إيران وخصومها حول الهدف الفعلي من إنفاق إيران السخي على منظماتها الرديفة والوكيلة، ومعنى رعايتها وتصدرها قيادة "محور المقاومة" في ساحاته الموحدة. المؤيدون انصرفوا إلى تمجيد إيران وإخلاصها في تبني قضية فلسطين وسعيها إلى تحرير القدس، وآمنوا أن كل تدخلاتها في المشرق وخصوماتها مع الحكومات والدول الخليجية والعربية إنما تحصل على خلفية اختلافها عنهم في التمسك بتحرير فلسطين، الذي سيحصل بمقتضى الخطاب الإيراني خلال سبع دقائق ونصف الدقيقة، فور اتخاذ القرار، وفي مدة أقصاها عام 2026 المقبل.

خصوم السياسة الإيرانية كانوا يرون العكس. فإيران برأيهم تتخذ من فلسطين ذريعة لبناء المنظمات الدينية المذهبية التي تقوم بتفتيت مجتمعاتها وبإضعاف أسس الدولة الوطنية، وتؤسس لانقسامات لا تنتهي. ومهمة هذه المنظمات الفعلية تنحصر في توطيد توسع النفوذ الإيراني من جهة والاستعداد لخوض معارك الدفاع عن النظام الإيراني نفسه ومشروعه النووي والصاروخي التوسعي، بوصفها مخافر متقدمة للإمبراطورية الفارسية في صيغتها المذهبية الحديثة، مما يعني أن إيران غير معنية في جوهر الأمر بشن حروب ضد إسرائيل دفاعاً عن حقوق الفلسطينيين، بقدر ما هي معنية بتعزيز سلطة الحشد العراقي وتوطيد انقلاب دولة الحوثي على الدولة اليمنية وتكريس هيمنة "حزب الله" على لبنان وحماية نظام الأسد من السقوط، أو كما جاء في خطاب أحد المسؤولين الإيرانيين جعل أربع عواصم عربية خط الدفاع الأول عن بلاد فارس الخمينية.

وجهتا نظر داعمي المشروع الإيراني وخصومه وضعتهما حركة "حماس" قيد الاختبار عندما شنت عمليتها المعروفة بـ"طوفان الأقصى" خلال السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. جاءت تلك العملية في ذروة الحديث الإيراني عن "وحدة الساحات" في مواجهة" العدو الصهيوني"، وكان ينتظر أن تنضم إيران ومنظماتها العربية على الفور إلى تلك العملية التي تمكنت خلالها المنظمة الفلسطينية من اختراق المستوطنات الإسرائيلية وأوقعت خسائر فادحة بالإسرائيليين، عسكريين ومدنيين، لكن إيران فضلت الانكفاء وفرضت على أنصارها الاكتفاء بعمليات مناوشة وإسناد، مانعة انخراطهم المباشر في هجمات كانت وضعت الخطط من أجلها، خصوصاً اقتحام "حزب الله" للجليل. وخلال تلك اللحظة سقطت الشعارات الإيرانية في شأن فلسطين واتضح أن هدف الحفاظ على الأذرع وعدم زجها مباشرة في المعركة الكبرى إنما يكشف المهمة الأصلية لها، وهو حماية النفوذ الإيراني الإقليمي والدفاع عن إيران نفسها عندما ينفد صبر قادتها الاستراتيجي تحت وطأة ضربات مباشرة تستهدفهم مباشرة.

أندبندنت عربية

يقرأون الآن