لبننة إيران وتدخل ترامب

أكثر من أي وقت مضى يبدو مصير الهلال العربي الممتد من ساحل المتوسط إلى شط العرب مرتبطاً بنتيجة الحرب الإسرائيلية - الإيرانية الدائرة منذ الـ13 من يونيو (حزيران) الجاري وثقل الانتظام الأميركي المباشر فيها.

يعتقد كل من طرفي المعركة الإسرائيلي والإيراني بإمكان رسم صورة المنطقة بحسب ما يريد ويطمح. النظرية الإيرانية الخمينية - الخامنئية تقول منذ أربعة عقود بطرد الأميركيين من غرب آسيا وتغيير الأنظمة المرتبطة بهم، والقضاء على إسرائيل نهائياً، والنظرية الإسرائيلية تستند إلى العداء الإيراني المعلن تجاه تل أبيب، لتشن على إيران حرباً، في ظروف اعتبرتها الأكثر ملاءمة، أهدافها الدنيا القضاء على مشروعها النووي والصاروخي، والقصوى تغيير نظام الملالي من جذوره، وفرض تحولات في الدول المشرقية تتيح سلاماً وعلاقات مستقبلية بينها وبين هذه الدول، بما في ذلك إيران الدولة "الإمبراطورية" التي أشاد بنيامين نتنياهو بعلاقاتها في الماضي مع دولة إسرائيل.

في لحظة بداية الحرب أظهرت إسرائيل تفوقاً كاسحاً. قضت على نخبة من القادة والعلماء الإيرانيين. وأكدت سيطرة شبه كاملة على الأجواء الإيرانية. وجاء ذلك نتيجة إعداد استخباري وبناء شبكات على الأرض استغرق تحضيرها أشهراً وسنوات، وفي المقابل بدا النظام الإيراني مترهلاً وعاجزاً، مما جعل السؤال عما كان يفعله ملالي طهران طوال سنوات غير إبداء المواعظ للآخرين وإرشادهم إلى دروب الثورة على أنظمتهم وتفتيت مجتمعاتهم، والتحريض الفارغ ضد إسرائيل التي وصفوها يوماً أنها "أوهن من بيت العنكبوت".

فعلياً لم يقدم النظام الإيراني شيئاً لفلسطين والقدس غير تنظيمات تابعة تضمن امتداد نفوذه، وبات معروفاً ابتعاده عن المواجهة عندما طالبه إسماعيل هنية في بداية حرب غزة بوضع خطابه موضع التنفيذ، وكان جواب المرشد علي خامنئي، "إن تحرير فلسطين شرف لكم لا تدعيه إيران"، وضمن السياق نفسه صمتت طهران على اغتيال حسن نصرالله الأمين العام لـ"حزب الله" في بيروت، وقيل لاحقاً إنه لو نفذت إيران وعودها لـ"حماس" ربما ما تحولت غزة وشعبها إلى ركام، ولو ردت على اغتيال هنية لما اغتيل نصرالله، ولو فعلت كل ذلك ما كانت قيادتها كلها تحت التهديد كما هو الحال عليه الآن.

مسار الأحداث التي افتتحها طوفان غزة قاد إلى ما نشهده الآن، وكشف عن أمرين يتعلقان بإيران، فهي من جهة لم تقف فعلياً إلى جانب "منظمات الساحات الموحدة" التي أنشأتها ونظمتها تحت عنوان تحرير فلسطين، ومن جهة ثانية لم تستعد بما يكفي من جدية لمواجهة هجوم إسرائيلي واسع كالذي نشهده حالياً وكأنها لم تكن تتوقع مثل هذا الهجوم. فمنذ اليوم الأول استباحت إسرائيل أجواء "بلاد فارس" وكررت فيها ما يشبه عملية البيجر التي نفذتها ضد "حزب الله".

بسرعة فائقة "لبننت" إسرائيل إيران ومارست ضدها ما تفعله في لبنان يومياً، من خرق جوي وقصف واغتيالات، مع فارق أساسي أن لبنان يعاني منذ أكثر من نصف قرن، وقد تعرض للدمار والخراب اللذين تتحمل إيران جزءاً معتبراً من المسؤولية عنهما.

يرسم الصدام القائم ملامح انتهاء دورة تاريخية كاملة منذ بدأ نظام الخميني وضع يده على المشرق العربي والقضية الفلسطينية بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982. خلال هذه السنوات أنضج الطرفان شروط الوضع القائم الذي قاد إلى الحرب المباشرة بينهما، هي التي تم تفاديها مراراً، فاستبدلت دائماً بحروب خفية ومعارك مع الأذرع، إلى أن وفر "طوفان" غزة المبرراًت الكافية لانتقال القيادة الإسرائيلية من عقيدة بن غوريون المتحفظة إلى عقيدة نتنياهو الهجومية الحاسمة.

لم يكن ذلك ليحصل لو لا وجود الرئيس دونالد ترمب على رأس الولايات المتحدة وقراره الصريح بمنع إيران من الحصول على السلاح النووي ومستلزماته، لكن ليس ترمب وحده من لا يريد رؤية أسلحة نووية في إيران، فكل الإدارات الأميركية سعت في هذا الاتجاه، ووضعت خيار المنع بالقوة على جدول الأعمال بما في ذلك قصف المواقع النووية، وفي الواقع فإن الغارات الأميركية فجر الأحد على مواقع "فوردو" و"أصفهان" و"نطنز" جرى التدريب على تنفيذها قبل عام، في عهد جو بايدن، بين الجيشين الأميركي والإسرائيلي.

أندبندنت عربية

يقرأون الآن