بدأت التسريبات تظهر بقوة ووضوح عن أن ترتيبات تجري، وعملاً يتم، لاكتشاف إمكانية الاعتراف بإسرائيل، وتحديداً من لبنان وسوريا، يقود هذا التوجه الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن بشروط إسرائيلية، بما يعطيها كل المكاسب، لتضاف إلى مكاسبها الميدانية والتاريخية.
الظروف بعد أحداث السابع من أكتوبر تساعد على طرح ما كان مرفوضاً أو مؤجلاً، فلبنان وسوريا ليستا في وضع يسمح لهما بالمواجهة لا عسكرياً ولا دبلوماسياً لرفض فكرة المفاوضات، حتى ولو كانت النية بعدم قبول محاورها إذا كانت لا تقوم على تحقيق مصالح مشتركة، وليس مصالح إسرائيل فقط.
تذكَّروا أن الموقف الإسرائيلي تاريخياً يقوم على أن السلام مقابل السلام، بمعنى لا دولة فلسطينية، ولا تنازل عن الأراضي السورية واللبنانية التي يحتلها العدو الإسرائيلي، وبهذا المنطق فهي تريد تطبيعاً مع الدولتين، دون أن تتنازل عن مكاسبها التي حققتها بالحروب، كأني بها تقول لبيروت ودمشق، اقبلوا بالسلام مقابل السلام حتى لا نعتدي عليكم، وحتى لا نحتل المزيد من أراضيكم.
قيادة الولايات المتحدة الأمريكية للمفاوضات لا يعني أنها الوسيط المناسب، أو العادل، أو النزيه، أو الذي يقف على مسافة واحدة بين الجميع، بل ولا يعني أن واشنطن ليست داعمة لأطماع إسرائيل، معاضدة لاحتلالها الأراضي اللبنانية والسورية والفلسطينية، وإنما في تدخلها كمن تسعى لتتويج دعمها لإسرائيل، بانتزاع اعتراف الدولتين بها، دون تحرير ما احتلته إسرائيل من أراضي الدولتين.
السلام خيار مطلوب ومهم، والتعايش مع إسرائيل كدولة على حدودها عام 1948م فيه مصلحة لها ولدول المنطقة، غير أن هذا يتعذر تحقيقه ما بقيت إسرائيل تتمسك بسياستها في احتلال الأراضي السورية واللبنانية، وترفض قيام الدولة الفلسطينية، حتى ولو مارست أمريكا الضغط على الدول المطروح فكرة اعترافها بإسرائيل لمصلحة طرف واحد.
حل هذا الصراع التاريخي المزمن يقوم على الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967م وكل العالم يقر بذلك، ما عدا أمريكا، مع أن العرب والفلسطينيين لا يمانعون في الاعتراف بإسرائيل مقابل دولة فلسطينية، لكن هذا الخيار لا يتوافق مع النظرة الإسرائيلية الاستعمارية، ولا مع الموقف الأمريكي المنحاز مع التوجه الإسرائيلي.
وبنظرنا، فإن ما سوف تقدمه أمريكا من إغراءات لكل من سوريا ولبنان، لن يرتقي إلى القبول بورقة التفاوض المطروحة الآن، خاصة مع إصرار إسرائيل على عدم التخلي عن مرتفعات الجولان، وعن مزارع شبعا، والاكتفاء بالانسحاب فقط من الأراضي التي تم احتلالها بعد السابع من أكتوبر.
طبيعي أن يتحدث رئيس وزراء إسرائيل عن تغير في المنطقة بعد نتائج حروب ما بعد السابع من أكتوبر، وما شكَّلته من إضعاف لخصوم تل أبيب، وتصاعد في القوة العسكرية الإسرائيلية، ولكن حتى هذه الحقيقة لن تضع إسرائيل في حالة أمن واستقرار، وستظل مهيأة لحروب قادمة، ونزاعات مستمرة، ولن تهنأ بالأمن والاستقرار الذي تبحث عنه منذ أكثر من سبعين عاماً.
لهذا، فإن ما يدور من ترتيبات في المفاوضات عن اعتراف لبناني سوري بإسرائيل لن تكون له تلك النتائج التي تبشر بها الإدارة الأمريكية، والمتوقع أن تكون كغيرها من الأفكار غير القابلة للتطبيق أو التطبيع، وما يُطبخ في البيت الأبيض بالتنسيق مع إسرائيل لن يحل الصراع الجوهري مع إسرائيل، ولن يذيب أصل المشكلة، أو يغير وجهة مسار هذا الخلاف القائم على احتلال واستعمار، وعليه أن يزول للوصول إلى حل ينهي هذا الصراع إلى الأبد.
الجزيرة السعودية