واقعية إيران.. من بطن المعارك

سجلت الأيام الماضية شريطا لاحداث عاشتها إيران في الشهر الماضي أبرزت واقعاً كان مستوراً ثم ينكشف يذكرنا بشريط عاشت معه الدول العربية عام 1967، حيث ترافقت الدعايات الصاخبة بنبرات التفاؤل في مواجهات سياسية وعسكرية سحبت الغطاء عن الواقع المختلف الذي كان الخطاب السياسي يغطيه بانغام التحدي ومعه شبه يقين بحصاد مثمر يتولد من بين تلك الازمة. كانت اصوات المسؤولين الايرانيين مرتفعة جاءت من شعور بأن آليات إيران العسكرية والسياسية وارادة شعبها تملك تجاوز الأزمة وبشيء يعطي إيران مكسباً غير متوقع. كانت حدة المواجهة انتحارية في تصميمها وجادة في اصرارها على الموقف الذي سيقود الى اللجوء الى آليات القوة، فلم يكن في حسابات إيران وجود لدور امريكي مع استخفاف واضح بتهديدات اسرائيل، تكرر من عدة مصادر إيرانية قيادية لا مكان فيها للتهدئة وتقييم الوضع بدون مواقف التحدي وبعقلانية هادئة فيها حرص على ابعاد المواجهة العسكرية واهتمام لايجاد مسار سياسي ودبلوماسي يطوق حالة التوتر السائدة.

كانت الاصوات الإيرانية في واقع التحدي متعددة ومتنافسة في التصعيد والتهديد ولم يأت دور المرشد لمحاصرة التوتر في الوقت الذي تتطلبه الظروف ولذلك تصاعدت المنافسة في حجم حدة التعبير والعزم على الانتقام. كان الوضع الدقيق والمتواتر يتطلب حكم المرشد الذى جاء في ظروف تعاظم فيه التهديد والوعيد بدلاً من تبنى نهج التهدئة والاحتكام للعقلانية. كان الصوت الايراني الثوري يوحي بيقين القدرة على التعامل مع التهديدات وتطويقها نحو المصالح الإيرانية بدلاً من التنافس بين المسؤولين في سباق نحو المواجهة. كما رافق هذا التصعيد غياب الاهتمام بالموقف الامريكي الملتزم بدعم المواقف الاسرائيلية تجاه المشروع النووي الايراني، فلم يلتفت الجانب الايراني تجاه احتمالات الشراكة الامريكية في العملية العسكرية فوجد في تكرار التصميم الايراني على هزيمة التحدي ما يكفي من حجم العزم على الانتقام. ومن هنا ضعف موقف الفريق الايراني المعتدل المتمثل في وزير الخارجية الباحث عن حلول قد تؤجل المواجهة وتعطي الدبلوماسية شيئاً من الوقت. كان صوت التشدد أقوى من كتيبة الاعتدال ليس مع واقع نظام اية الله الحالي وانما كان متواجداً في تاريخ الامبراطورية الفارسية فلا تتواجد ظاهرة الانتظار وكسب الوقت في مسار الإمبراطورية المغامرة التي وصلت الى احتلال اليونان قبل ولادة الإمبراطور الاسكندر الاكبر الذي انتقم من حكام فارس مبرراً غزوته انتقاماً للوحشية التي وظفها الفرس على شعب اليونان.

الواضح أن نظام الامام لم يلتفت الى احتمالات التحرك الاسرائيلي ضد المواقع التى تريد اسرائيل تدميرها مركزاً على متابعة الموقف الامريكي فجاء التدمير للمواقع الايرانية النووية دون تواجد حماية ايرانية مؤثرة، وانهت اسرائيل حالة المخاوف من ايران النووية وتحول الموقف الايراني الى البحث عن استئناف المفاوضات الايرانية - الامريكية حول مستقبل العلاقات. دخلت إيران فصلاً جديداً في علاقاتها الاقليمية والعالمية ويهمنا ما صدر من كلام فضيلة الامام حول العلاقات الإقليمية وبالذات بين إيران ومجلس التعاون في تحول واضح وغير مسبوق في التقييم الايراني الايجابي لمسيرة مجلس التعاون.

وأتذكر الموقف الايراني في بداية مسيرة مجلس التعاون فقد كانت الوفود الايرانية التي التقى بها في المؤتمرات الدولية وفي الأمم المتحدة، تناديني كأمين عام لمجلس التعاون بأننى أمين عام حلف الناتو الخليجي، وبجفاف خال من الاحترام. كان ذلك في الماضي، مع الوقت تتراجع نغمة الاستخفاف وتصل اليوم الى شبه مبادرة من الامام لعلاقات إيرانية خليجية مستوحاة الجوار والتاريخ وتلاقى المصالح مع الرغبة المؤكدة في التطوير، وأهم من ذلك تأكيد القناعة الإيرانية في الدور البناء والمسؤول لمجلس التعاون في تأكيد استقرار الخليج وتأمين سلامته، ولم تكن هذه الاعتبارات تتواجد بقوة في مفردات الدبلوماسية الايرانية.

نحن الآن في فصل جديد تتعامل فيه إيران مع دول مجلس التعاون جماعية وافراداً، وفق المعيار العالمي في احترام السيادة والابتعاد عن التدخل في الشؤون الداخلية وتأكيد المصالح المشتركة وتطويرها، وأهم الجوانب فيها التعاون لتأمين سلامة الخليج لكى يظل الخليج أبرز أعمدة الاستقرار العالمي وأغنى المصادر في تأمين الاقتصاد والتجارة العالمية.

هناك توقعات لابد من تأمين الالتزام بها ومن أولوياتها احترام انظمة الحكم في دول المنطقة، فقد كانت المفردات الايرانية الرسمية تتعاطى بطريقة غير مناسبة مع الواقع الخليجي العربي، كما تدرك إيران اليوم أن سجلها السابق في العراق وسوريا ولبنان واليمن لم يحقق لها مكسباً واضحاً في هذه المناطق، فالمنطقة لا تتلاءم مع خطاب الثورة الإيرانية وانما تنشد التفاهم الذي يحقق التعاون المستقبلي، كما أدركت إيران أن تبني منظمات فلسطينية خارج منظمة التحرير لا يضيف شيئاً إيجابياً لايران. نحن الآن في مرحلة تتسم بصفاء المناخ الخليجي الخالي من الشكوك، فمن المؤكد ستقودنا الى تعاون مثمر اذا ما التزمت إيران الثورة بما طرحه الامام حكيم الثورة ومجدد المسار في العلاقات الإيرانية – الخليجية.

القبس

يقرأون الآن