إقتصاد

مخاطر الرسوم الجمركية.. هل تتسبب في "تضخم مستمر"؟

مخاطر الرسوم الجمركية.. هل تتسبب في

يحتدم الجدل داخل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، في لحظة فارقة من عمر السياسة النقدية الأميركية، مدفوعاً هذه المرة بتأثير الرسوم الجمركية التي أعاد الرئيس دونالد ترامب تفعيلها في سياق رؤيته الاقتصادية. فعلى الرغم من هدوء مؤشرات التضخم نسبياً خلال الأشهر الماضية، إلا أن المخاوف من عودة الضغوط السعرية تتصاعد داخل أروقة الفيدرالي، ما يجعل مسار الفائدة عرضة لإعادة التقييم.

ورغم تباين آراء مسؤولي الفيدرالي بين من يرى أن الرسوم قد تترك أثراً مؤقتاً، ومن يخشى من أن تتحول إلى عامل تضخم دائم، يتفق أغلب أعضاء لجنة السوق المفتوحة على أن المرحلة الحالية تتطلب حذراً مضاعفاً، خصوصاً في ظل هشاشة بعض المؤشرات الاقتصادية الأخرى. وبينما يدفع بعض الأعضاء نحو خفض وشيك للفائدة، يتشبث آخرون بضرورة التريث حتى تتضح الصورة بشكل أكبر.

هذه الانقسامات تعكس معضلة أعمق يعيشها صناع القرار في واشنطن: كيف يوازنون بين حماية الاقتصاد من تباطؤ محتمل، وبين مواجهة خطر التضخم المعزز بالسياسات التجارية؟

في قلب هذه المعادلة، يبقى الفيدرالي أمام اختبار دقيق، حيث لا مجال للقرارات المرتجلة، بل لمعادلات معقدة تتطلب قراءة دقيقة للبيانات وتحليلاً بعيداً عن الضغوط السياسية.

كيف يفكر الفيدرالي؟

حذرت أغلبية مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في اجتماعه في يونيو من أن الرسوم الجمركية التي فرضها دونالد ترامب سيكون لها "تأثيرات مستمرة" على التضخم وسط انقسام متزايد حول موعد خفض أسعار الفائدة.

أظهرت محاضر اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية يومي 17 و18 يونيو أنه في حين يعتقد بعض واضعي أسعار الفائدة بأن الرسوم من شأنها أن تؤدي إلى زيادة لمرة واحدة في الأسعار، فإن معظمهم كانوا أكثر قلقا بشأن التأثير على المدى الأطول.

وفقا لمحضر الاجتماع الذي صدر يوم الأربعاء، فبينما أشار عدد قليل من المشاركين إلى أن التعريفات الجمركية من شأنها أن تؤدي إلى زيادة لمرة واحدة في الأسعار ولن تؤثر على توقعات التضخم على المدى الطويل ، أشار معظم المشاركين إلى خطر أن يكون للتعريفات الجمركية آثار أكثر استدامة على التضخم.

لاحظ بعض المشاركين أنه نظراً لارتفاع معدلات التضخم لبعض الوقت، فإن هناك خطرًا متزايدًا من أن تصبح توقعات التضخم على المدى الطويل غير ثابتة إذا كان هناك ارتفاع طويل الأمد في التضخم، بحسب ما نقله تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز".

زيادة الأسعار

من جانبه، يقول استراتيجي الأسواق المالية في شركة First Financial Markets، جاد حريري، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:

"الرسوم الجمركية تسهم بشكل مباشر في دفع معدلات التضخم إلى الارتفاع خلال المرحلة المقبلة".

"فرض رسوم جمركية إضافية يعني بالضرورة زيادة في أسعار السلع المستوردة، الأمر الذي ينعكس سلباً على أسعار السلع والخدمات في الأسواق المحلية، سواء على المستهلكين أو على الشركات وحتى على الحكومات".

"في حال كان أحد المستوردين يدفع مثلاً رسوماً جمركية بنسبة 2 بالمئة على سلعة معينة، فإن ارتفاع هذه النسبة إلى 10 بالمئة مثلاً، يعني تكاليف إضافية لا بد من تحميلها لطرف ما، وغالباً ما يتحملها المستهلك النهائي أو الشركات، وهو ما يعزز الضغوط التضخمية".

ويحذر استراتيجي الأسواق المالية في شركة First Financial Markets من أن "هذه السياسات قد تعيد التضخم إلى مسار تصاعدي، ما يستدعي انتباهاً أكبر من صناع القرار خلال المرحلة المقبلة".

وخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بنقطة مئوية واحدة العام الماضي، لكنه توقف عن التخفيض منذ ديسمبر، إذ يُفضّل "الصقور" في اللجنة الانتظار لمعرفة مدى تأثير رسوم ترامب الجمركية على التضخم قبل اتخاذ أي إجراء. ويحرص "الحمائم" على خفض تكاليف الاقتراض لتعويض أي تراجع في النمو الاقتصادي.

عقب الاجتماع، صرّح عضوان في اللجنة بضرورة إجراء التخفيضات في أقرب وقت ممكن هذا الشهر. وجادلت ميشيل بومان، نائبة رئيس الرقابة المالية، والمحافظ كريستوفر والر، بأن المخاوف بشأن التأثير التضخمي للحرب التجارية مبالغ فيها.

واجه رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، ضغوطًا متواصلة من الرئيس ترامب لخفض تكاليف الاقتراض. وفي وقت سابق من يوم الأربعاء، كتب ترامب على منصته "تروث سوشيال" أن سعر الفائدة "مرتفع بثلاث نقاط مئوية على الأقل".

ويلفت تقرير لـ "سي إن بي سي" الأميركية، إلى أن باول أكد مراراً أنه لن يرضخ للضغوط السياسية عند وضع السياسة النقدية. وقد انضم إلى النهج الحذر، مُصراً على أنه في ظل قوة الاقتصاد وعدم اليقين بشأن التضخم، فإن الاحتياطي الفيدرالي في وضع جيد يسمح له بالاستمرار في سياسة التجميد حتى تتوافر لديه معلومات إضافية.

ووفق التقرير، يعكس محضر الاجتماع الأخير إلى حد كبير هذا الموقف الذي يؤكد أن السياسة في وضع جيد حالياً للاستجابة للتغيرات في البيانات.

وأشار مسؤولو الفيدرالي أيضاً إلى أنهم "قد يواجهون خيارات صعبة إذا استمر التضخم المرتفع في حين ضعفت توقعات التوظيف". وفي هذه الحالة، قالوا إنهم سيُقيّمون أي الجانبين أبعد عن هدفهم عند صياغة السياسة.

تضخم دائم!

يوضح رئيس قسم الأسواق المالية في FXPro ، ميشال صليبي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أنه:

نظرياً، الرسوم الجمركية عموماً ليست إيجابية، بل تمثل صدمة للأسواق، وفي بعض الحالات ترفع الأسعار بشكل مفاجئ قبل أن يستقر التضخم مجدداً.

المشكلة تكمن في أن رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، يخاف أن تؤدي تلك الزيادات الأولية في الأسعار إلى رفع توقعات التضخم إلى مستويات أعلى بكثير مما نراه الآن، فتتحوّل في بعض الأحيان إلى تضخم دائم، وهذا هو القلق الأكبر.

لقد شاهدنا هذا بوضوح في تصريحات باول خلال الشهر الماضي، وحتى في المنتدى الأخير للبنك المركزي الأوروبي، حيث شدد على أن أثر الرسوم السياديّة سيبدأ في الظهور بوضوح خلال صيف هذا العام، وستتجلّى بيانات التضخم انعكاساً لذلك.

أظهر مؤشر أسعار المستهلك ارتفاعًا بنسبة 0.1 بالمئة فقط في مايو. وبينما لا تزال مؤشرات التضخم أعلى في معظمها من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 بالمئة، تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن مخاوف الجمهور من التضخم تتراجع في المستقبل.

في الوقت نفسه، تباطأت وتيرة نمو الوظائف بشكل ملحوظ، مع أن معدل نمو الوظائف غير الزراعية كان دائمًا مفاجئًا للاقتصاديين. فقد شهد شهر يونيو زيادة قدرها 147 ألف وظيفة، مقابل توقعات بـ 110 آلاف وظيفة، بينما انخفض معدل البطالة بشكل غير متوقع إلى 4.1 بالمئة.

كما تباطأ إنفاق المستهلكين بشكل ملحوظ. انخفضت النفقات الشخصية بنسبة 0.1 بالمئة في مايو، بينما تراجعت مبيعات التجزئة بنسبة 0.9 بالمئة.

ويضيف يرق: "في سياق اتجاه الفيدرالي لتعليق خفض سعر الفائدة حتى الآن، فإن القلق يتركز على أن الرسوم قد تؤدي إلى توقعات تضخم أعلى، وهذا ما ظهر في اجتماع يونيو الأخير.. أغلب أعضاء الاحتياطي كانوا قلقين من أن تكون لتلك الرسوم تأثير أكثر استمرارية على التضخم"، موضحاً أنه على الرغم من أن بعض الأعضاء رأوا أن التأثير لن يكون كبيراً، إلا أن هذا الانقسام أثّر مباشرة على خطة خفض أسعار الفائدة، فبينما البعض ينتظر بتحفّظ، كانت الأغلبية تميل إلى موقف أكثر حذراً قبل اتخاذ أي خطوة في طريق التخفيض.

ويخلص رئيس قسم الأسواق المالية في FXPro قائلاً: بالتأكيد الرسوم التي اتخذها الرئيس دونالد ترامب – وربما أي إدارة مستقبلية تتبع نهجاً مماثلاً – تؤثر على التضخم سواء على المدى القصير أو الطويل. والخطر الأكبر هو افتقار الرؤية الواضحة بخصوص الرسوم الجمركية: كيف ستُعرف؟ ما مدى ثباتها؟ وكيف ستؤثر في القطاع الخاص على المدى المتوسط؟ الخشية تكمن في أن الشركات قد تُدرج تلك الرسوم كتكلفة دائمة ضمن الأسعار، مما يضغط على توقعات التضخم ويزيد من صعوبة مهمة الفيدرالي.. في هذه الحالة، يجب أن يكون مراقباً بحذر، وربط أي قرار بتخفيض سعر الفائدة بمدى استمرار هذه الضغوط خلال الصيف.

يقرأون الآن