بينما ينغمس اللبنانيون بمختلف مستوياتهم وفئاتهم، في دراسة وتحليل نتائج الإتفاق السعودي- الإيراني الذي تمّ برعاية صينية، ويقرأ كلّ طرف وفريق إنعكاساته وفق تمنّياته، لا تزال هناك ملفّات وقضايا كثيرة تزداد تأزّماً ولا تجد طريقها نحو الحلحلة، ومن بينها استحقاق الإنتخابات البلدية والإختيارية، وقد بات عامل الوقت تجاهه أكثر إحراجاً لمختلف القوى السياسية.
فهناك من يتحدّث عن أنّ الظروف اللوجستية وحتى بعض النصوص القانونية، قد تُعطل هذا الإستحقاق، على الرغم من تأكيد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية والبلديات بسام مولوي على القيام بكلّ ما هو مطلوب من أجل تأمين إجراء هذه الإنتخابات. وهذا ما أكّده النائب السابق علي درويش وهو من فريق ميقاتي، وقال لـ"نداء الوطن" إن ميقاتي ومعه مولوي "يعملان على أن تحصل هذه الإنتخابات في أوقاتها، لا سيّما وأنّ واقع السلطة المحلية في عدد من البلدات والمدن غير طبيعي وغير منتظم ويحتاج إلى دم جديد، بمعزل عن عدم توفر الإمكانيات، وهو الأمر الذي تعاني منه على سبيل المثال بلدية طرابلس. وعليه، فإنّ إجراء الإنتخابات يُعالج مشكلة التحلّل في عدد من القرى والبلدات والمدن، ويحلّ إشكالية الخلل والتعطيل التي تُعانيها بعض البلديات".
في المقابل، تشير بعض المعلومات الى أنّه خلافاً لما تروّجه معظم القوى السياسية عن تمسّكها بإجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية في موعدها في أيار المقبل، فإنّ ميقاتي أبلغ عدداً من نواب كتلة نيابية كبيرة، أنّ كلّ القوى السياسية، بما فيها أحزاب وتيارات كبيرة، تمنّت عليه تأجيل إجراء الإنتخابات بحجّة أنّ "ظروف البلد السياسية والمالية وعدم الجهوزية الإدارية واللوجستية الكافية، لا تسمح بإجرائها".
وتتحدّث بعض المصادر عن وضع البلد "المكركب" وأنّ الإهتمامات الآن في أمكنة أخرى، ويفضّل الجميع عدم فتح باب جديد يربك الوضع الداخلي أكثر.
وبانتظار أن تتبلور المواقف أكثر، لا بدّ من التذكير بأنّ العقبة اللوجستية لإجراء هذا الإستحقاق تتمثّل في تأمين الإعتمادات المالية، لا سيّما وأنَّ موازنة العام 2022 خالية من أي مبلغ للإنتخابات، ولا يوجد موازنة للعام الحالي 2023، وبالتالي فإنَّ الحكومة مضطرّة للذهاب إلى المجلس النيابي لإقرار قانون لتأمين الإعتمادات المالية، وهذا الأمر غير متوفر بسبب معارضة كتل وقوى سياسية ونيابية متعدّدة التشريع قبل إنتخاب رئيس للجمهورية.
وهناك من يرى أنّ الحل الأفضل للحكومة في هذه الحالة، أن تبحث عن تمويل خارجي من المنظّمات والمؤسسات الدولية، وعندها تكتفي بالإجتماع وإصدار مراسيم قبول الهبات الخارجية لتأمين مصاريف الإنتخابات التي قدّرتها وزارة الداخلية بنحو 9 ملايين دولار تقريباً.
وهذا طبعاً في حال شارك القضاة المنتدبون من وزارة العدل للجان القيد، حيث تمّت تسمية العدد المطلوب، وفق ما أبلغت ممثّلة وزارة العدل لجنة الداخلية والدفاع النيابية في اجتماعها الأخير، وقالت إنّه يتمّ تعيين بدلاء للذين يرفضون المشاركة فور تبلّغ الوزارة بذلك.
أما بالنسبة للأساتذة والموظّفين الذين سيشرفون على العملية الإنتخابية، فلا يُمكن التكهّن بمواقفهم طالما لم تحدّد المواعيد بعد، وكذلك لم تتّضح صورة المبالغ التي ستُخصّص لهؤلاء وحتى للقضاة كبدلات، وبالتالي من المبكر معرفة ما إذا كان هذا العامل سيُساهم في تأمين سير العملية الإنتخابية أم تعطيلها.
وتبعاً للمادة 14 من قانون البلديات "تدعى الهيئات الإنتخابية البلدية بقرار من وزير الداخلية والبلديات خلال الشهرين السابقين لنهاية ولاية المجالس البلدية، ويُذكر في القرار المهلة بين تاريخ نشره وإجتماع الهيئة الإنتخابية 30 يوماً على الأقل". ما تقدّم يعني أنّ المهل بدأت تضيق أمام وزير الداخلية لإصدار مراسيم دعوة الهيئات الناخبة ويُفترض أن لا تتجاوز أوائل نيسان المقبل. كذلك، هناك عقبة قانونية قد تزيد الأمور صعوبة وتعقيداً، وتتمثّل في أنَّ الإنتخابات البلدية تعتمد نفس أصول إنتخاب أعضاء المجلس النيابي، أي يفترض أن تحصل وفق القانون النسبي وفقاً للمادتين 11 و16 من قانون البلديات الصادر في عام 1977، ويستحيل تطبيقه الآن.
لكنّ رئيس لجنة الداخلية والدفاع النيابية النائب جهاد الصمد كان أبلغ "نداء الوطن" أنّ هذا الأمر تمّت معالجته، وتمّ إستثناء البلديات من هذا النص في قانون الإنتخابات النيابية التي جرت في العام 2018 ، ولا مشكلة في هذا الموضوع، والإنتخابات ستجرى على القانون الأكثري وليس النسبي، وهذا ما تمّت مراجعته من قبل اللجنة في جلستها ما قبل الأخيرة، وفق الصمد.
في المحصلة، ما لم تنته أزمة الشغور الرئاسي ويتمّ انتخاب رئيس للجمهورية، وفي حال بقي مجلس النواب معطّلاً عن التشريع قبل أن نصل إلى 31 أيار المقبل، ستُصبح عندها المجالس البلدية منتهية الصلاحية ومنحلّة، وتتحوّل إلى تصريف الأعمال وتحت سلطة القائمقام، وعلى وزيرالداخلية أن يُصدر قراراً بالإبقاء على هذه المجالس، على أن تقتصر أعمالها على تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق حتى إجراء الإنتخابات.
أكرم حمدان - نداء الوطن