لا يزال "حزب الله" بعد كل الخسائر التي تلقاها ابتداءاً بحرب الإسناد، مروراً بحرب أيلول/سبتمبر 2024 على كافة المستويات يهدد بالقوة العسكرية ضد إسرائيل، في ظل إقرار الحكومة اللبنانية لخطة "حصر السلاح" والتي من المتوقع أن ينتهي "الجيش" من تنفيذها نهاية العام الحالي؛ فلطالما كان يستخدم " الحزب" التهديدات الاسرائيلية، كذريعة لعدم مواجهته بالحقيقة المرة التي جعلت حرب أيلول/سبتمبر 2024 منها أمراً واقعاً لا مفر منها وهي "ضرورة نزع السلاح" بعد الهزيمة الكبيرة التي تلقاها أمام إسرائيل.
ولكن في ظل التقارير التي تتحدث بأن "حزب الله" يحتفظ بقوته، وقادر على استعادة توازن الردع مع إسرائيل من خلال استعادة قوته العسكرية كما يقول الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أيضاً، السؤال يُطرح: بعد كل الخسائر على المستوى العسكري، والبشري، والتسليحي، والمالي مع أزمة القرض الحسن، هل لا زال التهديد بالقوة ضد إسرائيل صالحاً على أرض الواقع؟
يكشف الباحث في شؤون الأمن القومي والاستراتيجي العميد الركن المتقاعد يعرب صخر لـ"وردنا" أنه منذ أن قرر "حزب الله" فتح جبهة الإسناد في تشرين الأول/أكتوبر 2023 مساندة لغزة، وإسرائيل بدأت فعلياً بالتحضير لمعركتها مع حزب الله وما سوف يأتي في القادم من الأيام من العام 2024".
فعندما تفرّغت إسرائيل من غزة، توجهت بعدها نحو لبنان، واستبقت العملية الحربية الكبرى، بمعركة أشبه بـ"اسطياد الرؤوس"، حيث اغتالت قادة "الحزب" بشكل يومي تقريباً سواء من "قوات النخبة" أو "فرقة الرضوان" لدى "حزب الله" وبحوالي 450 من "الكوادر القيادية" المهمة لدى "الحزب"، باعتبار أن "فرقة الرضوان" هي كانت مهيئة لاختراق الجليل وفق ادعاء "حزب الله" قبل أن تقع الحرب في 2024.
الباحث في شؤون الأمن القومي والاستراتيجي العميد الركن المتقاعد يعرب صخر
يتابع صخر أنه "قبل أن تقع الحرب في أواخر أيلول/سبتمبر عام 2024، قد سبق ذلك اغتيال قادة كبار من حلقة صنع القرار، ومن الدائرة الضيقة أيضا، كذلك اغتيال مسؤولين في مراكز القيادة والسيطرة أبرزهم "فؤاد شكر، إبراهيم عقيل، وعلي كركي" وغيرهم.. وتلتها 1600 غارة بدفعة واحدة، وصولاً إلى رأس الحزب أي أمينه العام حسن نصرلله وكل ذلك في شهر أيلول/سبتمبر 2024".
إسرائيل كسرت ميزان القوى
ويؤكد أن إسرائيل استطاعت في شهر أيلول/سبتمبر 2024، كسر ميزان الردع سواء على صعيد اغتيال "القيادات الكبرى"، أو من خلال الـ1600 غارة بيوم واحد، مع الاشارة الى عملية "البيجر"، التي استطاعت إسرائيل بواسطتها تحييد ما فوق الـ 10000 عنصر من "حزب الله"، وهذا رقم كبير جداً.
على مدى 66 يوماُ، استطاعت إسرائيل عبر الاستهدافات المتنوعة، والموزعة على كافة الأراضي اللبنانية، وفي الجنوب اللبناني بشكل مركز، والبقعة الخلفية اللوجستية للحزب في البقاع تدمير ما بين 70 إلى 80% من قدرات "الحزب" العسكرية، إضافة إلى تحييد ما بين 15000 إلى 20000 مقاتل من "حزب الله" ليصبحوا خارج المعركة تماماً، إضافة إلى تحطيم قدراته العسكرية، والبقعة الخلفية اللوجستية للحزب في البقاع، والبقعة اللوجستية الوسيطة أي النبطية وكفرتبنيت وجوارها، والبقعة المتقدمة أي بنت جبيل وجوارها في جنوب لبنان بحسب صخر، كذلك ضربت إسرائيل خطوط الإمداد التي تأتي من سوريا، بشكل يومي ومركز.
من خلال هذه الضربات، وضعت إسرائيل حزب الله تحت الحصار البري والبحري وحتى الجوي من أجل تقليص قدراته ولم يستطع "الحزب" تعويض ما صرفه أو حتى ما خسره جراء هذه الضربات وهذا ما جعل عملياته في تناقص وتقلص مستمر، وهذه هي الاستراتيجية الإسرائيلية الأساسية التي اعتمدتها مع "حزب الله" ونجحت بشكل كامل.
"الحزب" وقّع على اتفاق استسلام
ويرى صخر أن "حزب الله" بعد وقف إطلاق النار الذي وقّعه في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2024 استفاق على واقع وحقيقة مرّة وهي بأن قدارته قد شلت تماماً، وقيادييه قد أزيحوا، وهو في حالة إرباك وضياع وتشتت، حيث كان مَخرج وقف إطلاق النار "حبل نجاة" له مهما كانت الشروط التي تلت ذلك، ووفق هذه الظروف، وقّع "وثيقة الاستسلام" بكل معنى الكلمة لكي يحافط على ما تبقى من تنظيمه كي لا يخسره لاحقاً.
ويشير صخر لـ"وردنا" إلى أن ما زاد الطين بلة أن الحلقة الوسيطة التي كانت هي الممر والمستقر لحزب الله من طهران حتى بيروت، وهي سوريا قد قطعت بسبب تغيير المشهد السوري بالكامل لغير صالح "الحزب" بسبب انقطاع الإمداد بعد سقوط نظام بشار الأسد الذي يعتبره "الحزب" حبلاً لوجستياً أساسياً كـ "شريان الحياة" له، فضلاً عن أن إسرائيل لا تزل تسيطر على البحر والجو، وتقطع عنه كل أساليب التعويض والحياة.
الصواريخ الكبرى بيد إيران
في ظل هذا الوضع الذي وصل إليه "حزب الله"، بات يريد أن يحافظ على المكتسبات السياسية داخل لبنان، ويريد أن يبيين أنه لا يزال يتمتع بالقوة والقدرة، ولكن واقع الأمر عسكرياً وتقنياً مختلف بشكل كلي لأن "الحزب" فقد أكثر من ثلاثة أرباع قدراته البشرية والمادية، ولا يمكن تحديد ما إذا كانت التسلحية أيضاً كذلك، فالصواريخ التي كان يتباهى بها "الحزب" كـ"عماد 4"، و"فجر" و"بركان" و"زلزال" وسواها، لم يستخدمها في المعركة مع إسرائيل إلاّ البعض منها، وهذه إشكالية كبرى باعتبار أن هذه الصواريخ لها "شيفرات" و"رموز" معينة بيد الإيراني وليست بيد "الحزب" نفسه.
ويعتبر الجنرال صخر في هذا الصدد، أن إيران كانت موجودة في كل عملية، حتى في عملية اغتيال نصرلله، وهاشم صفي الدين وباقي القادة من خلال وجود عنصر قيادي أو عميد إيراني، لذلك الصواريخ الكبرى الاستراتيجية والباليستية هي بيد هؤلاء القادة الإيرانيين وليس بيد "حزب الله"، لذلك المعركة كلها كانت "ادعاء كاذب".
إيران تريد تسيير المعركة وفقاً لقواعدها البراغماتية والمصلحية، التفاوضية، و"حزب الله" في غير هذا الوارد لذلك أصيب بهذة النكسة من خلال عدم استعماله لكامل أسلحته، ولا يمكن تحديد كم بقي من هذه الصواريخ، فهل هذا ما يكابر من أجله، ويراهن عليه ويدعي على أساسه "حزب الله" بأنه يمتلك القوة؟ يسأل صخر.
"حزب الله" قبل 7 أكتوبر لم يعد كما بعده
ويختم صخر حديثه لـ"وردنا":" بعد زيارة لاريجاني عاد "حزب الله" ليهدد ويتوعد بصوت عالي، وكأنها إشارة بأن إيران تريد استخدام "حزب الله" و"الحشد الشعبي" في المعركة الثانية التي قد تُشن عليها، وهذا دليل واضح على أن هذه المليشيات هي تحت امر إيران؛ وعندما تدق إيران نفير الحرب، أو عندما تشن عليها هذه الحرب سيلجأ "حزب الله" إلى ما تبقى من صواريخ مخبّأة لديه، إنّما هذا لم يقدم ولم يؤخر لأن بنك الأهداف وداتا المعلومات الإسرائيلية عن "حزب الله" لا تزال موجودة.
"حزب الله" قبل 7 أكتوبر لم يعد حزب الله ما بعده بسبب تورّطه باستراتيجية إيران، وهذا ما جعله يخسر الحرب أمام الآلة الإسرائيلية الكبرى؛ الحزب أصبح الورقة الأخيرة التي من الممكن أن تستخدمها إيران، وفي حال تنكر لكل المساعي التي تجري لثنيه عن مواقفه، وتؤمن له المخرج، هل يضرب الحزب كل هذه الجهود بعرض الحائط؟