تعدّ مسألة الإنترنت في لبنان من أبرز القضايا التي تثير الجدل والتساؤلات، خصوصًا في ظل الانقطاع المتكرر للخدمات والبطء الذي يعاني منه المستخدمون. في هذا السياق، اقر مجلس الوزراء بالأمس الترخيص لشركة "ستارلينك لبنان" لتقديم خدمات توزيع الانترنت على كامل الأراضي اللبنانية عبر الأقمار الاصطناعية المشغلة من قبل شركة Space X.
ويعتبر البعض خدمة "ستارلينك" حلاً مبتكرًا لمشكلة الإنترنت في لبنان، بينما يراها آخرون مجرّد حلاً موقتًا لا يمكن الاعتماد عليه بشكل دائم.
في هذا الاطار، يؤكّد وزير الاتصالات شارل الحاج أن الاتفاق مع شركة "ستارلينك" للإنترنت سيساهم في تحسين الخدمة وزيادة دخل الدولة اللبنانية، مشيراً إلى خطة لرفع عدد مستخدمي الإنترنت السريع من 50 ألفاً إلى 300 ألف. الحاج شدد على أن "ستارلينك" خيار استثماري يفتح الباب أمام تطوير البنية التحتية الرقمية في لبنان.
إلّا أنّ ما أثار حفيظة بعض المراقبين، هو ما قاله الوزير الحاج عن أنّه لا يمكن لخدمات ستارلينك أن تكون بديلًا عن خدمات الإنترنت الأرضية، بل ستكون خدمات موازية.
ينتقد الصحافي عماد الشدياق ما يراه توجيهًا مشبوهًا نحو إدخال خدمة "ستارلينك" إلى لبنان في ظل تهميش الشركات المحلية التي تسعى لإدخال بنى تحتية حديثة مثل الميكروفايبر. يسلط الشدياق الضوء على تزايد ما يعتبره "ملف فساد" في هذا الملف، مشيرًا إلى أن هناك مصالح شخصية تسيطر على قرار الوزير المعني.
وأكد الشدياق في حديث لـ"وردنا" أن تصريحات وزير الاتصالات حول خدمة "ستارلينك" بأنّها لا يمكن أن تكون بديلاً عن خدمات الإنترنت الأرضية، هي تصريحات تُستخدم كذريعة لتمرير أهداف أخرى. واعتبر الشدياق أن الوزير يشبه في تصريحاته من يقول "لا إله..." ولا يُكمل الجملة، مشيرًا إلى أن السياق ناقص والنوايا موضع شك.
وتساءل الشدياق عن سبب منع الوزارة للشركات المحلية من تركيب بنى تحتية من نوع الميكروفايبر، وتجميد طلبات الترخيص لهذه الشركات، في حين أن هذه الشركات كانت قد تقدمت بطلبات رسمية لتركيب معدات الـDSL والـFiber Optic في السنترالات اللبنانية.
وأكد أن هذه الشركات كانت قد حصلت على اتفاقات مع وزارة الاتصالات منذ عهد الوزير جمال الجراح، تنص على أن تقوم الشركات بتركيب المعدات على نفقتها، على أن تعود ملكية البنية التحتية لاحقًا إلى الدولة اللبنانية؛ مقابل ذلك، تحصل الشركة على 50% من الزبائن، فيما تحصل الدولة على النصف الآخر.
وأوضح الشدياق أن هذه الشركات توفر حلاً جاهزًا للدولة التي تعاني من عجز مالي ولا تملك القدرة على الاستثمار في هذا القطاع الحيوي. وأشار إلى أن هذه الشركات قادرة على رفع عدد مشتركي الإنترنت السريع إلى 600 ألف، بل ربما مليون مشترك على مراحل. فلماذا يُعرقل الوزير هذا التقدم؟
وفي سياق متصل، أشار الشدياق إلى أن الوزير بدا "مهووسًا" بجلب خدمة "ستارلينك" إلى لبنان، رغم أن هذه الخدمة ليست حلاً عمليًا من حيث الكلفة المرتفعة وعيوبها التقنية، مثل تأثرها بالعوامل الجوية. ولفت إلى أن الوزير سعى لإدخال هذه الخدمة عبر شركة "Connect"، وهي شريك رسمي لستارلينك في الأردن ودولة أفريقية أخرى، وهي الجهة التي ستتولى جمع الأموال لصالح "ستارلينك" في لبنان.
وأكد الشدياق أن هناك شبهات حول تضارب المصالح، مشيرًا إلى أن الوزير قد يكون شريكًا في هذه الشركة أو مستفيدًا منها بشكل مباشر.
الى ذلك، ردّت مصادر في وزارة الاتصالات عبر "وردنا" على هذه الاتهامات، مؤكدة أن "هذه الخدمة لا تشكل بأي حال من الأحوال بديلاً عن شبكة الإنترنت الأرضية، ولا توجد منافسة فعلية بينها وبين خدمات الفايبر أو البنى التحتية التقليدية، لا من حيث الجودة ولا من حيث الأسعار".
وأوضحت المصادر أن "ستارلينك" تشكّل مسارًا مكمّلًا لتأمين الإنترنت في لبنان، إلى جانب الكابلين البري والبحري، وذلك عبر خط فضائي جديد. وأضافت أن كلفة الاشتراك في هذه الخدمة مرتفعة جدًا، ما يجعلها غير موجهة للاستخدام الشعبي، بل تأتي كخيار حيوي ومطلوب للشركات الكبرى والمستثمرين الذين يحتاجون إلى إنترنت مستقر وسريع في بيئة مثل لبنان، حيث تعاني البنى التحتية من تحديات متراكمة.
وفي ما يخص البنى التحتية الأرضية، أكدت المصادر أن الإدارة الجديدة لهيئة "أوجيرو"، برئاسة أحمد عويدات، باشرت بوضع خطة شاملة لتلزيم مشروع الألياف البصرية (Fiber Optic) في مختلف المناطق اللبنانية، تشمل نحو 300 ألف خط، ضمن خطة واضحة التنفيذ.
ولفتت إلى أنه لن يتم إطلاق شبكة الفايبر قبل الانتهاء من المخطط الكامل، مشددة على أن "التنفيذ سيبدأ خلال أشهر قليلة، وسيُلمَس التقدّم فعليًا على الأرض في وقت قريب".
وختمت المصادر بالقول إن مرحلة الفوضى السابقة في توزيع الإنترنت غير الشرعي باتت خلفنا، وإن الوزارة تعمل وفق رؤية واضحة لتنظيم القطاع وتطويره بما يحقق مصلحة الدولة والمواطن على حدّ سواء.
من جانبه، يؤكّد ايضا رئيس قسم المعلوماتية في الجامعة الاميركية للتكنولوجيا د. وليد كرم أنّه لا يمكن اعتبار خدمات ستارلينك موازية بالكامل للشبكات الأرضية التقليدية (مثل الألياف البصرية أو الـ DSL أو الإنترنت عبر الكابلات)، بل هي خدمات مكمِّلة ومصمَّمة لتغطية الفجوات التي تعجز الشبكات الأرضية عن الوصول إليها.
ومن وجهة نظر تقنية بحت، يشير د. كرم في حديثه لـ"وردنا" الى انّ "ستارلينك" تعتمد على شبكة أقمار صناعية منخفضة المدار (LEO) لتوفير الإنترنت عالي السرعة في المناطق النائية أو الجغرافيا الصعبة، حيث تكون كلفة مد الكابلات أو البنية التحتية الأرضية مرتفعة جداً أو غير مجدية اقتصادياً".
بالمقابل، في المدن الكبرى والمناطق التي تتمتع ببنية تحتية قوية، تظل الشبكات الأرضية أكثر استقراراً وأقل تكلفة، بحسب كرم؛ "لذا يمكن القول إن ستارلينك تمثل خياراً مكملاً واستراتيجياً يساهم في سد الفجوة الرقمية أكثر من كونها بديلاً كاملاً عن الإنترنت الأرضي".
وقال: "في بلد مثل لبنان، حيث يعاني المستخدمون من بطء الإنترنت وكثرة الانقطاعات، ومع محدودية انتشار شبكة الألياف الضوئية، يمكن النظر إلى ستارلينك كحل بديل موقت وفعال. فهي قادرة على توفير سرعة مقبولة واستقرار أفضل مقارنة بالحلول التقليدية الحالية، خصوصاً في المناطق التي تفتقر كلياً للبنية التحتية الحديثة".
وتابع: "لكن لا بد من التوضيح أن الاعتماد على ستارلينك لن يغني عن ضرورة استكمال بناء الشبكة الوطنية للألياف الضوئية، لأن هذه الأخيرة تبقى الحل الأكثر استدامة وأقل كلفة على المدى الطويل".
ولفت كرم الى أنّ "البعض يدفع نحو استخدام ستارلينك في لبنان لأنها تمثل خياراً عملياً وسريعاً لحل مشكلة الإنترنت المزمنة. فالمستخدمون يرون فيها وسيلة للحصول على سرعة أعلى واستقرار أفضل، بعيداً عن الانقطاعات المتكررة التي يعانونها مع الشبكات الأرضية. كما أن إمكانية الحصول على الخدمة مباشرة من الأقمار الصناعية، دون المرور بتعقيدات البنية التحتية المحلية، يجعلها جذابة خصوصاً لقطاع الأعمال والمناطق الريفية".
وتابع: "إضافةً إلى التحديات التقنية والاقتصادية، لا يمكن تجاهل الوضع السياسي والأمني في لبنان والمنطقة، اذ يرى الداعمون لهذه الخدمة وسيلة للتحرر من هشاشة البنية التحتية المحلية التي قد تتأثر بالأزمات، ويخشون انقطاع خدمات الشبكات الأرضية في ظل الاضطرابات أو الأزمات أو الحروب".
في المقابل، يخشى البعض من ستارلينك لعدة أسباب، وفقا لكرم. من الناحية التقنية، هناك قلق من كلفة الاشتراك المرتفعة وصعوبة صيانتها مقارنة بالحلول المحلية؛ من الناحية الاقتصادية، هناك خوف من أن تشكل منافساً غير منضبط يضعف الاستثمار في البنية التحتية الوطنية للألياف الضوئية؛ ومن الناحية القانونية والسيادية، هناك تساؤلات حول تنظيم الخدمة ورقابة الدولة عليها، إذ إنها تأتي من خارج الحدود مباشرة، ما يثير هواجس تتعلق بالسيادة الرقمية وأمن البيانات.