أسرفت إسرائيل في سياستها العدائية للكثير من دول المنطقة، وأمعنت في خُروقاتها للقوانين الدولية متجاهلة بذلك الرأي العام العالمي الذي بدء يدرك خطرها واجرامها المتمادي يوما بعد يوم. وحاولت أميركا ومن خلفها اسرائيل في السنوات الماضية دفع المنطقة العربية إلى ما سمته حقبة السلام، عبر توقيع اتفاقيات تطبيع واعتراف من الدول العربية باسرائيل؛ فطبع بعضها ظنا منها أنها بهذه الطريقة تضع حدا لانتهاكات اسرائيل وخروقاتها وإمعانها في توتر المنطقة.
منذ عدة أيام استهدفت إسرائيل لبنان وسوريا وقطر، دون ان ننسى غزة، متجاهلة بذلك كل القوانين الدولية، في إشارة منها إلى أن لا أحد بمأمن من ضرباتها مهما كان نفوذه السياسي والاقتصادي. فما هو موقف قطر من المفاوضات؟ وما الذي كان يقصده نتنياهو في إشارته إلى خارطة اسرائيل الكبرى؟
أشارت أستاذة القانون الدولي حياة الحريري في حديث خاص لـ"وردنا"، إلى أن استهداف قطر أمس خلط جميع الأوراق وكان مفاجأة للقطريين وللخليج العربي، رغم أن نتنياهو كان قد صرح عدة مرات أنهم سيضربون قادة حماس أينما كانوا، وكان التصريح موجه لقطر ومصر وتركيا"، مشيرة الى انّه "لا يمكن الفصل في توقيت الضربة ومكانها عن الملفات التي تبدأ بفلسطين وغزة، وتمتد إلى صراع النفوذ التركي-الاسرائيلي في المنطقة، وهذه تحتاج إلى متابعة بالمرحلة المقبلة لأنها مرحلة تنفيذ الشرق الاوسط الجديد التي يتحدث عنها الجميع، والتي صنعتها الولايات المتحدة الاميركية، وإسرائيل هي أداة التنفيذ".
أما فيما يخص موقف قطر في الوساطة، اعتبرت الحريري أن "الوساطة في صلب عمل الدستور القطري، أي أن الوساطة أو دور قطر في هذا الإطار هو بند من بنود الدستور، وقطر ايضاً كانت أخذة على عاتِقها موضوع الوساطة بين حماس واسرائيل، بناء على طلب إسرائيل نفسها والولايات المتحدة الاميركية"؛ وعلى الرغم من أنهم أعلنوا أن موضوع المفاوضات سيصبح أصعب لأن الاستهداف يمثل اعتداء على سيادة قطر، إضافة إلى وجود قواعد أميركية فيها، إلا انّه يمكن أن يخلق أزمة في العلاقات بينها وبين والولايات المتحدة، خصوصا بعد الأخبار التي تمّ تداولها بأنّ الأميركيين علموا بالضربة قبل تنفيذها".
وعن نية نتنياهو بتوسيع الأراضي الاسرائيلية مشيرا إلى نفوذه الجديد في المنطقة، شددت الحريري على أن "نتيناهو يحمل فرضيتين الأولى أنه يحاول تطبيق ما قاله فعليا على الأرض في الدول والبلاد المجاورة له، وهذا ما يفسر محاولته لضم الضفة واحتلاله لأراضي في لبنان والتوغل الإسرائيلي العسكري في سوريا ومحاولته التوسع أكثر. والثانية أنه يشير الى نفوذ الإسرائيلي السياسي الجديد في المنطقة والذي يتضمن استهداف قطر قبل عدة أيام، والذي يعكس إرادة نتنياهو في توجيه ضرباته كيفما يريد ومتى يريد ذلك".
واعتبرت الحريري انّ "اليوم الرهان على دول الخليج العربي باعتبار أنه يمتلك الثقل السياسي والاقتصادي بالمنطقة العربية وباعتبار أن الولايات المتحدة نفسها بحاجة للاستثمارات الخليجية لاقتصادها، فهنا نراقب ردة الفعل العربية للجم الإسرائيلي".
وقالت: "لا شك أن الجزء الأكبر من الخليج كان يعتبر أن قضية فلسطين قضية فلسطينية_فلسطينية، ولكن اليوم بعد 7 أكتوبر الجميع أدرك أن القضية تخطت حدود فلسطين وأصبح هناك تهديد للمنطقة ولشكلها ولاستقرارها"، ولكن لا بد أن رد الخليج العربي سيختلف في الأسلوب والشكل نظرا للاختلاف في نظرتهم للأمن العربي عن بقية الدول العربية، بحسب الحريري.
وتابعت: "الخليجيون يعتمدون أكثر على الضغط الاقتصادي والسياسي وكان هذا واضحا في تهديد الإمارات في مجلس الأمن بتعليق اتفاقية أبراهام إذا استكمل الإسرائيلي الضم للضفة الغربية؛ وهو أول تصريح إماراتي رسمي يهدد أميركا وإسرائيل بتعليق الإتفاقية التي تعني الكثير لترامب".
ولفتت الحريري الى موقف ورفض مصر تصفية القضية الفلسطينية، ورفض التهجير ورفض كل السلوك الإسرائيلي في المنطقة وهذا أساسي جدا، فضلا عن الضغط السياسي المصري والعسكري والتحشيدات العسكرية الموجودة في سيناء وعقيدة الجيش المصري التي تقلق إسرائيل". مع الإشارة الى الموقف السعودي الرافض لعقد اتفاقيات سلام مع إسرائيل ورفض التهجير.
احلام نتنياهو التلمودية، لم تتوقف عند اسرائيل الكبرى، بل ذهبت ابعد من ذلك، الى تهجير الغزاويين بشكل كامل. وهنا، ترى الحريري أن "كل المسار أو الاعتداءات الإسرائيلية لغزة صنفت قبل تصريح نتنياهو بحدود اسرائيل الكبرى في الأمم المتحدة بجريمة حرب، وإبادة جماعية وتطهير عرقي, وتصريح نتنياهو وإصراره على هذا الموضوع هو إثبات إضافي للذي كان يقوله الفلسطيني، بمعنى أن نتنياهو واضح جداً لناحية وجود خطة ممنهجة كانت تطبق بشكل بطيء، وبصمت، أمّا اليوم فقد أصبحت معلنة".
واعتبرت انّ "خطورة هذا الامر وتابعاته لن تقتصر على المنطقة العربية فحسب، وإنما على العالم، بدليل الأزمات السياسية التي نتجت حول قضية فلسطين، والجميع أصبح محرجا من أفعال الإسرائيلي، ولأول مرة يرى الرأي العام الغربي أن إسرائيل هي المشكلة".
وأضافت: "من الطبيعي أن تختلف مقاربة الدول العربية للقضية الفلسطينية ولحركات المقاومة، أو للأشخاص المعنيين بشكل مباشر بالقضية الفلسطينية أو بالصراع العربي الإسرائيلي نتيجة لتغير الأحداث رغم أختلافها سابقا في محطات تاريخية معينة".
في الختام، إنّ تجربة قطر في الإتفاقية الدفاعية مع الولايات المتحدة ليست مشجعة ولكن لبنان بأسوء مرحلة في تاريخه وكل الخيارات المطروحة صعبة، وتشير الحريري إلى سؤال حتمي "ما فائدة السلاح إذا لم يحم؟"