بين كل خبر وآخر في لبنان، للسوريين دائمًا نصيب. قصصهم لا تغيب عن مسامع اللبنانيين، سواء في السياسة أو الإعلام أو الحياة اليومية.
ومؤخرًا، تعالت الأنباء عن توجّه السلطات اللبنانية نحو إسقاط صفة "نازح" عن السوريين المقيمين على أراضيها. لكن ما الذي يعنيه هذا القرار؟ وهل يشمل جميع السوريين، أم فئات محددة فقط؟
لبنان واللجوء.. بين الواقع القانوني والموقف الرسمي
في الأساس، لم يوقّع لبنان على اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين لعام 1951، ولا على بروتوكولها لعام 1967، ما يعني أنه ليس بلد لجوء من الناحية القانونية، ولا يعترف رسميًا بصفة "لاجئ" على أراضيه. مع ذلك، فقد تعاون لاحقًا مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) من خلال مذكرة تفاهم، تم بموجبها إعطاء السوريين صفة "نازحين" وليس لاجئين، تحت شروط محددة.
الاستثناء الوحيد في التاريخ اللبناني كان تجاه الفلسطينيين الذين تهجروا بعد نكبة عام 1948، حيث منحهم لبنان صفة "لاجئ"، وهم مسجّلون لدى وزارة الداخلية، لكن دون أن يطبّق عليهم قانون اللجوء الدولي الكامل.
شروط نيل صفة "نازح" في لبنان
وفقًا لما أوضحه الخبير في القانون الدولي رزق زغيب لموقع "وردنا"، فإن الحصول على صفة "نازح" في لبنان مرتبط بشرطين أساسيين:
أن يكون الشخص قد نزح نتيجة ظرف أمني يمنعه من العودة الطوعية إلى بلاده.
ألّا يكون منخرطًا في سوق العمل اللبناني مقابل أجر، وهو أمر يُعد خرقًا مباشرًا للصفة، لا سيما أن الغالبية الساحقة من السوريين العاملين في لبنان يمارسون أعمالًا محددة حصرها القانون اللبناني في ثلاث مجالات فقط: البناء، النظافة، والزراعة. وبالتالي، فإن السوريين في لبنان يُصنّفون إلى فئتين:
العمال الذين يمارسون مهناً في هذه المجالات الثلاثة، والنازحين المسجلين لدى المفوضية، والذين يُفترض أنهم في انتظار العودة الطوعية إلى سوريا.
لماذا يسقط لبنان صفة "نازح"؟
يشير زغيب إلى أنه عندما تلاحظ الدولة اللبنانية أن أحد النازحين يمارس عملًا داخل البلاد، أو يذهب إلى سوريا ويعود منها بانتظام، فإنها تعتبر أن صفة "النازح" لم تعد تنطبق عليه، ما يبرّر إسقاطها عنه.
وبناءً على ذلك، وضعت الحكومة اللبنانية خطة للعودة الطوعية، خاصة بعد التغييرات في سوريا وسقوط النظام، وقد بدأت العودة تلقائيًا لبعض السوريين.
ومع هذا الواقع، أعلنت السلطات نيتها إسقاط صفة "نازح" عن فئة كبيرة من السوريين، والتعامل معهم بصفتهم أجانب مقيمين، تنطبق عليهم قوانين الإقامة والعمل كأي أجنبي آخر.
وإذا لم يكن للشخص عمل قانوني أو إذن إقامة، يجوز للدولة ترحيله، خصوصًا إذا كان يتنقل بحرية بين سوريا ولبنان، ما يُضعف من حجة حاجته للحماية.
هل يحق للبنان الترحيل القسري؟
مسألة الترحيل القسري ترتبط بمبدأ دولي مهم هو "مبدأ عدم الإعادة القسرية" أو "Droit au non-refoulement"، وهو مبدأ يُلزم الدول بعدم إعادة أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه لخطر الاضطهاد أو التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية.
لكن، يوضح زغيب أن لهذا المبدأ ضوابط وشروط، فإذا ثبت أن الشخص لا يواجه أي خطر أمني في بلده، أو أنه زار سوريا دون تعرّض لمخاطر، عندها يُسقط عنه هذا الحصن القانوني، ويصبح الترحيل قانونيًا.
ومع ذلك، فإن الخطوة الأولى التي قد تلجأ إليها الدولة ليست الترحيل المباشر، بل إسقاط صفة "نازح"، ما يمهّد قانونيًا لإخراجه من لبنان لاحقًا، حتى وإن لم يُنفّذ القرار فورًا.
ما هي الخيارات القانونية للسوريين؟
بحسب زغيب، فإن كل قرار إداري في لبنان قابل للطعن أمام القضاء، سواء كان أمام مجلس شورى الدولة (إذا كان القرار إداريًا)، أو أمام محاكم أخرى بحسب طبيعة القرار.
فإذا رأى المتضرر أن قرار إسقاط صفة "نازح" بحقه غير قانوني، يمكنه اللجوء إلى القضاء للطعن فيه. وإذا ثبت للقضاء أن القرار تعسفي أو لا يستند إلى معطيات واقعية، يمكن إبطاله قانونيًا.
ما بين السياسة والإنسانية... القرار معلق
القضية شائكة. فمن جهة، لا حرب اليوم في سوريا، ويعتبر البعض أن لا ضرورة لبقاء مئات آلاف السوريين في لبنان. ومن جهة أخرى، الاعتبارات الإنسانية لا تزال حاضرة، فعدد كبير من السوريين يرتزقون هنا ويعيلون عائلاتهم، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة.
القرار في النهاية بيد الدولة اللبنانية، التي تواجه ضغوطًا اقتصادية وشعبية كبيرة. أما مصير النازحين، فمعلّق بين اعتبارات القانون والسيادة والواقع الإنساني.
والأيام القادمة وحدها كفيلة بكشف الاتجاه الذي ستسلكه الدولة اللبنانية.