وتيرة الاشتباك السياسي تتصاعد بين أركان السلطة، على مختلف الملفات والقضايا، ولعل أهمها موضوع الانتخابات النيابية التي ستجري في الربيع المقبل بحيث ان "الثنائي الشيعي" و"التيار الوطني الحر"، يصرون على إجراء الانتخابات على أساس القانون النافذ الذي ينص على استحداث 6 مقاعد نيابية لتمثيل الانتشار اللبناني في بلاد الاغتراب، تُوزّع مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ولا يحق لهم الاقتراع لـ128 نائباً ، وهذا ما ترفضه الجهة المقابلة المتمسكة بأحقية المغتربين بانتخاب 128 نائبا على قاعدة انهم لبنانيون وما يسري على المقيمين يسري على المغتربين.
إشتباك كاد أن يؤدي الى أزمة تعيق العمل السياسي والتشريعي داخل البرلمان وفي الحكومة أيضا حتى ان اللجنة النيابية الفرعية المكلفة بدراسة مشاريع القوانين الانتخابية اضطرت إلى تعليق اجتماعاتها. ولا تزال الابواب مشرّعة أمام كل الاحتمالات فيما يتعلق بقانون الانتخاب، وتداعياته رغم اصرار مختلف الاطراف على إجراء الانتخابات في موعدها اذ دعا وزيرا الداخلية أحمد الحجار، والخارجية والمغتربين يوسف رجي، المقيمين في بلاد الانتشار الى تسجيل أسمائهم للاقتراع على أساس القانون النافذ حالياً.
وفيما يعتبر كثيرون ان تصويت المغتربين لـ 128 نائبا، يشكل رافعة قوية جدا لقوى المعارضة لسياسة "حزب الله"، وهذا ما أكدته نتائج الدورة السابقة التي صبّت لمصلحتها، أكد عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب حسين الحاج حسن، أمس، أنّ هناك مسعى دولياً وإقليمياً ومحلياً يهدف إلى تعديل قانون الانتخابات النافذ في لبنان، وهذا التوجّه لن يمرّ لأنه يمسّ بسيادة لبنان ويتيح التدخل الخارجي في قراراته الوطنية، ويهدف الى التأثير في نتائج الانتخابات، لافتا الى أن انتخابات عام 2022 سمحت للمغتربين بالتصويت للـ128 نائباً لمرة واحدة استثنائية وأخيرة.
لكن أحد النواب اعتبر في حديث لموقع "وردنا" ان هذا الكلام ليس دقيقا اذ جرت الانتخابات سابقا سنة 2022 كما سنة 2018 على اساس تصويت المغتربين لـ 128 نائبا. لماذا اليوم المعارضة؟ ثم الجدير بالقول ان الاحزاب التي تشعر انها بعيدة عن الواقع الاقليمي والدولي، وعن المرحلة المسقبلية، أن تعيد النظر في سياساتها التي أوصلتها الى القطيعة مع العالم والى الضرر في مصالح ناخبيها في كل دول الانتشار.
ورأى ان "الثنائي" يتخوف من صوت المغترب لأنه يعلم ان مزاج المنتشرين ليس لصالحه. وهذا المزاج توسّع لأن المغترب يريد العودة الى بلاده والاستثمار فيه. ويريد أن يرى لبنان بصورة مغايرة. لبنان الدولة الفعلية التي تبسط سلطتها على كامل الاراضي اللبنانية. لبنان الدستور والقانون والمؤسسات وليس الدويلات. "الحزب" لديه مشكلة اليوم في تجييش الناخبين في الخارج.
وسط هذا الاحتدام، وكما في كل الملفات الشائكة التي يختلف حولها اللبنانيون، يتحدث البعض عن وساطات دولية على خط الانتخابات، تجري في الكواليس السياسية. وأكد عضو كتلة "اللقاء الديمقراطي" النائب فيصل الصايغ لموقعنا اننا قد نكون بحاجة الى وساطة إقليمية أو دولية. هناك بداية تلمس لتدخل خارجي لاسيما من الجانب الفرنسي. وأعتقد ان الحل النهائي يأتي من الجانب السعودي- الاميركي بعد التسويق الفرنسي لفكرة ما. الدول الصديقة أصبحت على يقين بضرورة التدخل للمساعدة في بعض الضمانات لأن انتخاب المغتربين لـ 128 نائبا يخيف فريقا معينا. وهذا الفريق يريد ضمانات دولية في هذا الاطار.
وأشار الصايغ الى اننا بدأنا نسمع تلميحات تتحدث عن حل يلغي انتخاب الـ6 نواب كما يلغي انتخاب الـ 128 نائبا أي العودة لفكرة تصويت المغتربين في لبنان، لكن هذا صعب جدا لوجستيا بالاضافة الى تكبّد المغتربين كلفة كبيرة الى جانب ارتباطهم بأعمالهم وجامعاتهم. المجيء الى لبنان للتصويت، ظلم بحق المغترب. ننتظر التطورات هذا الشهر، ومن الضروري أن تتضح الامور سريعا لأن من حق المغترب أن يعرف على أي قانون سينتخب.
وشددت مصادر متابعة للملف الانتخابي على ان "الثنائي" خصوصا "حزب الله"، يعاني مرشحوه أو ماكيناته الانتخابية من التحرك بحرية كاملة لاسيما في المناطق الجنوبية بسبب تعرض القيادات والفاعلين والناشطين في الحزب للاغتيالات. أما في الخارج، فالحزب مأزوم أكثر لأن الكثير من المغتربين حتى المناصرين منهم يعتبرون انه أقحم البلد في حرب كلفته ثمنا باهظا، وأكثر المتضررين هم من الطائفة الشيعية. كما ان إدراج "الحزب" على لائحة الإرهاب،يكفي كي يحسب المغتربون الشيعة ألف حساب قبل الاقدام على خطوة التصويت لأنهم بكل بساطة لا يريدون أن تتعرض مصالهم وأموالهم وممتلكاتهم للخطر في البلدان التي يعيشون فيها.
وفي السياق، يرى البعض ان الانتخابات النيابية المقبلة مصيرية لا بل الاستحقاق الاهم في هذه المرحلة بالذات التي يمرّ فيها الشرق الاوسط بتحولات كبرى، ولا بد من برلمان يتماشى مع التغيرات الاقليمية التي تنعكس على الساحة الداخلية اللبنانية بشكل مباشر.
ويوافق الصايغ على ان لبنان يتأثر في التغييرات الكبيرة جدا الحاصلة في المنطقة، ويجب أن نقرأ المرحلة الجديدة بشكل جيد. موازين القوى تتغير. وهذا ينعكس على لبنان مع التشديد على ان ما من طرف يريد أن يلغي طرفا آخر في لبنان. التغيير في لبنان يكون على مراحل، وبمسار طويل بسبب التعددية. وبدأ هذا المسار مع عناوين: الاصلاح والسيادة، لكن دون أن نصل الى الصدام الداخلي. لنعمل جميعا لمصلحة البلد بالوسائل السياسية والديبلوماسية تحت سقف الدستور. البرلمان المقبل سيواكب تطورات المنطقة انما ليس على طريقة "قلب الطاولة" أو إلغاء أي طرف.
وأكد الصايغ ان الموضوع الانتخابي من حيث المسار التشريعي أو التنفيذي وصل الى حائط مسدود لأن هناك انقسام حول تعديل المادة "112". وبالتالي، لا بد من تسوية سياسية. نحن مع تصويت المغترب على اساس 128 نائبا ليكون شريكا حقيقيا في بناء لبنان ومستقبله، خصوصا انه المساهم الاساسي في رفع الاقتصاد والاستثمار في وطنه