سنة ١٩١٧ احتلّت بريطانيا فلسطين بعد معارك مع الدولة العثمانية، واستمرت فيها 3 عقود، واستولت على أراضي السكان العرب، وسلمتها للحركة الصهيونية تنفيذا لوعدها بإنشاء "وطن قومي لليهود" على أرض فلسطين.
اليوم، كأن التاريخ يعيد نفسه، بظروف مختلفة ومع لاعبين جدد ومقررين متعددين في الساحة الفلسطينية بمعنى آخر عودة الانتداب بطريقة عصرية تتماشى مع التطورات السياسية بعد أن أصبحت غزة أرضا محروقة، وهجرها أهلها هربا من القصف الإسرائيلي المتواصل على مدى سنتين، والحصار الخانق لشعب بات يفتش عن حبة دواء أو مساعدة غذائية تعرضه لخطر الموت بصاروخ من هنا أو رصاصة من هناك.
وبموجب خطة البيت الأبيض أو خطة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي وافقت عليها حماس مع بعض التحفظات، فإن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير سيتولى منصب الحاكم المؤقت لقطاع غزة، وسيرأس هيئة باسم السلطة الانتقالية تُسمى "مجلس السلام"، ستكون مكونة من أعضاء ورؤساء دول يُعلن عنهم لاحقاً، تحظى بدعم قوة حفظ سلام دولية بقيادة عربية، ستدير القطاع لعدة سنوات الى أن تتمكن من تسليم السيطرة الكاملة للفلسطينيين. ولن تلعب حركة حماس أي دور في غزة اذ انه عقب عملية طوفان الأقصى التي شنتها في مستوطنات غلاف غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 والتي شكلت محطة فاصلة في تاريخ فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها، أعلنَ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الحربَ على حماس، وإلغائها من الجغرافيا والوجود تماما كما فعلت الولايات المتحدة الاميركية عقب هجوم 11 أيلول2001 حيث شنّت عملية عسكرية أدّت إلى إسقاط نظام طالبان.
واليوم الثلاثاء، أشار نتنياهو الى "أننا نقترب من نهاية حرب غزة، وتبقى بعض المهام"، وأكد قبل يومين إن إسرائيل لن تسمح بسيطرة السلطة الفلسطينية على قطاع غزة في "اليوم التالي للحرب، وتل أبيب ستكون مسؤولة ومشاركة في عملية نزع سلاح القطاع".
إذا، سماء فلسطين ملبّدة بالغيوم السوداء، ومصيرها مفتوح على كل الاحتمالات، ومستقبلها بلا أفق واضح، وحماس أصبحت من الماضي، لكن هذا الواقع لا ينحسر بفلسطين وحركة حماس انما يمتد إلى كل الدول المجاورة التي ينشط فيها محور الممانعة من "حزب الله" في لبنان، والميليشيات الإيرانية في سوريا وصولاً إلى "الحوثيين" في اليمن وكتائب "حزب الله" في العراق.
وفي هذا السياق، أكد نتنياهو أكثر من مرة في خطاباته انه سيقضي على أذرع إيران، وان "حزب الله" هو الذراع الأقوى لها، وهذا ما يفسر توجيه الضربات الأشد قساوة للحزب وللبنان. ولم يوفر إيران نفسها من اغتيالات القادة الامنية والعلماء، واستهداف المنشآت النووية مرورا في اليمن حيث قضى القصف الاسرائيلي على رئيس وزراء حكومة جماعة أنصار الله (الحوثيون) أحمد غالب الرهوي مع عدد من الوزراء بالاضافة الى استهداف الموانىء البحرية بشكل مستمر . وفي سوريا، لم تتوقف إسرائيل عن استهداف الفصائل الموالية لإيران وصولا الى الساحة العراقية التي شهدت توترات وتصعيدًا أمنيًّا تمثّل باستهداف الفصائل والميليشيات المسلحة، القواعد العسكرية الأميركية في وسط وشمال العراق.
بعد كل هذه الخسائر التي تكبّدتها أذرع إيران، ومنعها من لعب أي دور في خارطة الشرق الأوسط الجديد، هل يمكن القول ان حماس ارتكبت خطيئة مميتة بحقها كما بحق المحور بأكمله في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023؟ أو ان ما كُتب للشرق الاوسط قد كُتب قبل عملية "طوفان الاقصى"؟. وهذا ما تؤكده الكلمة التي ألقاها نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ78، والتي تحدث فيها عن التطبيع والسلام مع الدول العربية، ودوره في تغيير الشرق الأوسط، وأظهر خريطة لم يرد فيها أي ذكر لوجود دولة فلسطينية حيث طغى اللون الأزرق، الذي يحمل كلمة إسرائيل، على خريطة الضفة الغربية بما فيها قطاع غزة. وانطلاقا من هذا الواقع المستجد، هل بات شعار "وحدة الساحات" بلا ساحات ولا وحدة؟.
مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات حسان قطب أشار في حديث لموقع "وردنا" ان القرار الاميركي بالقضاء على محور الممانعة سابق لهجوم "طوفان الاقصى". قرار ضرب محور طهران اتخذ أواخر عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاول مع اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس. كان سليماني رأس محور التمدد الايراني في المنطقة. وهذا التمدد شمل اليمن والعراق وسوريا ولبنان. وبالتالي، هذا المحور تجاوز اتفاقية "سايكس بيكو" من حيث عدم الاعتراف بالحدود الدولية التي رسمت في القرن الماضي. إذا، مقتل سليماني كان البداية. وبعده، لمسنا جمود عمل المحور، واسرائيل بدأت باغتيال بعض الضباط الايرانيين في سوريا والعراق مما يعني ان القرار اتخذ سابقا، لكنه كان يُنفذ بطريقة هادئة، وأتى هجوم "طوفان الاقصى" ليأخذ الأمور الى منحى آخر، وكان الشرارة التي فتحت الباب واسعا أمام الحرب.
واستذكر قطب هجوم حماس المفاجىء بحجمه، ورسالة محمد الضيف عندما طلب من كافة دول المحور الدخول في الحرب، لكن لم يتدخلوا انما في الثامن من تشرين الاول، قصف حزب الله بعض القرى الحدودية، وأعلن انه يقوم بعملية إسناد وليس حربا مفتوحة. ولاحظنا أيضا الارباك الاسرائيلي في اليومين الاولين، والتعاطف الدولي الكبير معها. وبالتالي، حصلت اسرائيل على الضوء الاخضر لتكون حربها تدميرية ولا تقتصر على رد الفعل. وهذا ما شهدناه في السنتين الماضيتين. المحور لم يتحرك بشكل جماعي انما بشكل إفرادي. ووحدة الساحات كان شعارا أكثر منه حقيقة فعلية في حين تصرفت اسرائيل مع قوى المحور على انها محور واحد، وان عليها مواجهة الجميع في نفس الوقت.
ورأى ان ما نشهده اليوم، القضاء على أدوات المحور الايراني قطعة قطعة من سوريا حيث سقط النظام، والعراق الذي حيّد نفسه نتيجة التهديد الأميركي واليمن الذي يتصرف بطريقة منفردة بإطلاق صاروخ أو مسيّرة لكن الفعالية محدودة على اسرائيل، والضرر الاكبر يقع على الاقتصاد المصري الذي يستفيد من قناة السويس. ولبنان امام انقسام داخلي عميق وتهديدات اسرائيلية أصبحت واقعية أكثر من أي وقت مضى.