أصبح لبنان، بعد الاتفاق السعودي- الإيراني برعاية الصين، يعوّل على أي من اللقاءات التي تُعقد بشأنه في الخارج، وآخرها اللقاء الثنائي الذي عُقد الجمعة في العاصمة الفرنسية، بين ممثلين عن كلّ من فرنسا والسعودية لاستكمال البحث في الملف اللبناني. وهذا التعويل سببه الأزمة السياسية المستعصية واستمرار الشغور الرئاسي منذ 31 تشرين الأول/أكتوبر الفائت، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية والمالية غير المسبوقة التي يعيشها لبنان، والآيلة الى المزيد من التدهور، من دون إيجاد أي حلول داخلية لأي منها. فهل من أي انعكاس إيجابي لأي من اللقاءات التي عُقدت في الخارج، أو التي ستُعقد لاحقاً على الوضع الداخلي اللبناني؟!
وفي هذا الاطار، ترى مصادر سياسية مطّلعة أنّ لقاء باريس الثنائي بين فرنسا والسعودية أتى استكمالاً لما جرت مناقشته في اللقاء الخماسي الذي ضمّ الى كليهما ممثلين عن أميركا وقطر ومصر، ولوضع بعض النقاط على الحروف لا سيما بعد المستجدّات الأخيرة، أي التقارب السعودي- الإيراني. وقد جرى فيه متابعة المشاورات في ما يتعلّق بالملف اللبناني، وخصوصاً أنّ المجتمعين هم على تماس من الوضع اللبناني، ويعرفون المسؤولين اللبنانيين عن كثب. وكشفت أنّ اللقاء الباريسي سيضمّ إيران في مرحلة لاحقة، لا سيما بعد "اتفاق بكين" الأخير وبدء مسار تنفيذ بنوده تدريجاً في غضون الشهرين المقبلين.
وأكّدت أنّ اللقاء الباريسي هو اجتماع دوري تنسيقي بين الفرنسيين والسعوديين، فبعد اللقاء الخماسي توافقت الدول المعنية على عقد اجتماعات دورية ثنائية، أو ثلاثية، أو غير ذلك، كلّما رأت أنّ الحاجة تقتضي الاجتماع لاستكمال المشاورات. ولأنّ الفرنسيين والسعوديين يودّون تفعيل عمل الصندوق الفرنسي- السعودي المالي، الذي سبق وأن جرى التوافق عليه من خلال ما يسمّى بـ "آلية ماكرون- ابن سلمان"، التي اعتُمدت خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة الى السعودية، بهدف مساعدة الشعب اللبناني من الناحية الإنسانية خصوصاً في ظلّ الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي يمرّ بها، قرروا عقد الاجتماع الثنائي للتنسيق فيما بينهم.
وتقرّر، على ما أضافت المصادر نفسها، أن تذهب المساعدات والأموال مباشرة الى الشعب اللبناني الذي أصبح بنسبة 80% منه يعيش تحت خط الفقر، من دون المرور بالطبقة السياسية التي لم تُحسن إيصالها له في الفترات السابقة، من خلال المؤتمرات التي عُقدت من أجل دعم لبنان مثل "باريس 1"، و"باريس 2"، و"باريس 3"، و"مؤتمر سيدر" وسواها. وإذ كان المطلوب منها وضع آلية واضحة لصرف مليارات الدولارات المقدّمة من هذه المؤتمرات، لم يقم المسؤولون اللبنانيون بوضع أي خطّة لذلك. وتقاعسهم هذا دفع فرنسا وسائر الدول المانحة لاحقاً الى فقدان الثقة بهم، ووقف إعطاء المساعدات للدولة اللبنانية، إنّما اعتمدت طريقة أخرى لإيصالها الى الشعب بشكل مباشر عن طريق الجمعيات غير الحكومية وبعض المنظمات... غير أنّ هذه الخطوة لم تنجح أيضاً بشكل جيّد، على ما كانت ترغب، وذلك باعتراف بعض الدول المانحة نفسها.
من هنا، فإنّ اللقاء الفرنسي- السعودي حمل طابعاً إنسانياً وخرج المجتمعون بالاتفاق على تنسيق تفعيل الصندوق الفرنسي- السعودي، وفق آلية تقديم المساعدات الإنسانية للشعب اللبناني، على ما أوضحت، غير أنّ الاختلاف بين البلدين حول كيفية معالجة الأزمة السياسية في لبنان لا يزال قائماً بينهما. فالسعودي، ورغم اتفاقه الأخير مع إيران، لا يزال مصرّاً على سلّة متكاملة للمرحلة المقبلة ولا يبدو مستعجلاً للحصول عليها. على أن تبدأ بانتخاب الرئيس، مروراً بالاتفاق على رئيس الحكومة وصولاً الى عدد الوزراء وألّا يكون هناك أي ثلث ضامن لمصلحة هذا الفريق أو معطّل لذاك، وبيانها الوزاري الخ... فيما الفرنسي يريد الانتهاء من كلّ استحقاق على حدة، أي انتخاب رئيس الجمهورية أولاً، ومن ثمّ البحث في رئاسة الحكومة وتشكيلها وما يليهما...
أمّا بالنسبة لمواصفات رئيس الجمهورية، فيتفق الفرنسي والسعودي على عدم الدخول في بازار الأسماء والتسميات، على ما أشارت المصادر عينها، ويتوافق كلّ منهما على المواصفات التي يجب أن يتمتّع بها رئيس الجمهورية المقبل للبنان، والتي سبق وأن نوقشت في اجتماع واشنطن الثلاثي، كما في اللقاء الخماسي في باريس. ويربط كلّ منهما، الدعم المالي للبنان، باحترام هذه المواصفات من قبل الكتل النيابية. فاللبنانيون يستطيعون انتخاب الرئيس الذي يريدونه، ولكن إذا انتخبوا رئيساً لا يملك هذه المواصفات، لن يكون هناك مساعدات... وهذا يعني أنّ توافر هذه المواصفات في رئيس الجمهورية المقبل الذي على النوّاب اللبنانيين انتخابه، من شأنه تسريع وصول المساعدات الى الشعب اللبناني، فيما عدم توافرها فيه قد يوقف هذه الأخيرة. فالمواصفات توصل الى الإصلاحات التي من شأنها الى جانب انتخاب الرئيس انتشال لبنان من أزمته، ولهذا فإذا ما استمرّ الوضع على ما هو عليه حالياً أي "صفر إصلاحات"، رغم كلّ المطالبات والمناشدات الخارجية السابقة منذ مؤتمر "سيدر" وما تلاه عن ضرورة تحقيق الإصلاحات الهيكلية في أسرع وقت ممكن، فلن يكون هناك أي مساعدات للشعب اللبناني.
غير أن المصادر عينها تجد أنّ عدم تحقيق السلطة الحاكمة للإصلاحات لا تؤثّر سلباً في الطبقة السياسية نفسها، بقدر ما تؤثّر في الشعب اللبناني. لهذا فاشتراط معادلة "لا مساعدات مع رئيس لا تتوافر فيه المواصفات ومع صفر إصلاحات"، لا ذنب للشعب اللبناني بها الذي يعيش الفقر والعوز والحاجة في السنوات الأخيرة بسبب السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة. الأمر الذي يتطلّب إعادة النظر في مثل هذا القرار الذي له تداعيات سلبية على وضع اللبنانيين الذين يعانون من صعوبة الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية الخانقة.
صحيفة الديار