خاص- بعد زلزال تركيا الأخير…الآتي أعظم

كيف يقرأ الخبراء هواجسنا الـ"ريخترية" على تخوم الصفائح العربية والأفريقية والأناضولية؟

ما بعد السادس من شباط/فبراير، ليس كما قبله، ليس في السياسة أو الصراعات الحزبية أو المناطقية أو حسن الجوار أو الرهانات على الداخل أو الخارج، وإنما في الجيولوجيا التي أيقظت الرعب في حياتنا اليومية لنغدو أشبه بأحوال محقق الإنقاذ الجوي "راي غينس" في فيلم "فالق سان أندرياس"، بينما نركض بأنفاس متقطعة من أرض ترسم تشققاتها في الطريق نحو بر الأمان. فأي السيناريوهات بانتظارنا؟

الصفائح

في تهجئة ألف باء الزلازل يبدأ يتشكل مشهد المنطقة العربية "المعقّد" وفق الآتي: "الصدع الأناضولي" الذي يتجه جنوباً نحو الشرق الأوسط وأفريقيا، ويمتد عبر آسيا الصغرى إلى العراق وشمال إيران التي تخترقها فوالق جيولوجية كثيرة تجعلها عرضة لزلازل كبيرة.

وهناك الصفيحة العربية التي تضم منطقة شبه الجزيرة العربية وقسما كبيرا من بلاد الشام، تبلغ مساحتها نحو ٥ ملايين كلم مربع. ويحدها الصفيحة الأفريقية إلى الغرب من الصفيحة الهندية-الأسترالية، وفالق جانبي إلى اليسار يسمى صدع البحر الميت، وحد متباعد يسمى صدع البحر الأحمر الذي يجري بطوله، والصفيحة الهندو-أسترالية، ومركب من الحدود المتقاربة مع الصفيحة الأناضولية والصفيحة الأوراسية. 



قاسم مشترك

المشترك في ما بين الزلازل الأخيرة في المنطقة أنها تقع عند نقاط إذا ما تم جمعها بخط واحد ستشكل حدود الصفيحة العربية التكتونية، التي كانت بحركتها الدائمة نحو الشمال، السبب الرئيسي لوقوع زلزال قهرمان مرعش الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في سوريا وتركيا، بعدما اصطدمت بالصفيحة الأناضولية عند فالق الأناضول الشرقي، متسببة بكسر ضخم للأرض امتد لأكثر من 300 كلم، وأثّر على معظم الصدوع الزلزالية المحيطة به والمتصلة معه.

من سوريا الى هيروشيما

تختصر الباحثة السورية رشا عامر الحاصلة على الدكتوراه في العلوم (علم الزلازل ) من جامعة هيروشيما في اليابان، والمتخصصة بالتنبؤ بالزلازل الكبيرة من خلال تسجيلات الزلازل البطيئة في جامعة هيروشيما(سابقًا )، وتشغل حاليا منصبا بحثيا في مجال التخزين الآمن لثنائي أكسيد الكربون للتخفيف من الانبعاثات الغازية و التغيرات المناخية في معهد أبحاث التكنولوجيا المبتكرة للأرض في مدينة كيوتو اليابانية، ما يجري بالآتي: "إنها ظواهر طبيعية، ولا شيء فوق الطبيعة".

"هل يمكن التنبؤ بالزلزال؟"، تجزم بالنفي لأن الأرض بطبيعتها فوضوية، ولكن " كسابقة تاريخية تم التنبؤ بحدوث زلزال كهرمان مرعش (بالمكان من دون تحديد الزمان) في دراسة أجريت عام ٢٠٠٢ من قبل الباحث التركي سليمان نالبانت".

توضح عامر:"اعتمدت الدراسة على تحليل اجهاد كولوم(قوة التجاذب أو التنافر وفق قانون كولوم) على طول منطقة الصدع عبر تحليل ١٠ زلازل و حساب الضغوط الناتجة عنها منذ عام ١٨٢٢ ( ١٨٠ عام ) و حساب تراكم الضغط على مقطع الصدع في منطقة كهرمان مرعش. وبيّنت بوضوح تراكم الضغط في هذه المنطقة وأوصت بإجراء دراسات مفصّلة". 


لماذا تكثر الزلازل؟، تجيب:" في السنوات الاخيرة ازداد عدد الزلازل - ليس بسبب وجود المزيد من الزلازل فعليًا، ولكن بسبب التطور ووجود المزيد من أدوات القياس الزلزالية. وكمعلومات إحصائية يرصد المركز الوطني لمعلومات الزلازل نحو 20 ألف زلزال حول العالم كل عام، أو ما يقرب من 55 زلزالًا يوميًا. ويتوقع حدوث نحو16 زلزالًا كبيرًا في كل عام. ويشمل ذلك 15 زلزالًا في نطاق 7 درجات وزلزال بقوة 8.0 أو أكثر".

لماذا حدث الزلزال في تركيا و سوريا؟، توضح:" منطقة حدوث الزلزال هي منطقة تلاقي ثلاثية لفالق الاناضول و نظام صدع البحر الميت او فالق شرق المتوسط ونظام قوس قبرص المرتبط مع منطقة قبرص ويرتبط بهذا القوس فالق اللاذقية الرئيسي البحري الممتد في هذه المنطقة".

ولا تعتمد قوة الزلازل التدميرية على قوّة حدوثها(فقط)، بل على عمق البؤرة، توضح:" كلما كانت أقرب الى السطح جاءت أكثر تدميرا. بعد زلزال اليابان ٢٠١١ بقوة ٩ درجات استمرت الهزات الارتدادية لسنوات كان آخرها بعد عشر سنوات من حدوثه ".



الشرق الأوسط

تطمئن عامر:"يصنّف النشاط الزلزالي في منطقة الشرق الاوسط من متوسط الى ضعيف. لقد

حدثت زلازل عديدة عبر التاريخ و لكن لم تحدث أي زلازل كبيرة في التاريخ الحديث، مما يعني أننا نعيش مع الخطر الزلزالي منذ مئات السنين و سنظل نعيش معه. هذه طبيعية أرضنا. الفارق الآن أنّ الناس غير المختصة أصبحت تعرف هذا الخطر بينما كانت تجهل وجوده تماما قبل ٦ شباط/فبراير".

توضح:"تقع اللوحة العربية في الشرق الأوسط من آسيا وهي موطن لدول الكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وعمان واليمن والمملكة العربية السعودية وسوريا والأردن والعراق. انفصلت الصفيحة العربية عن إفريقيا منذ حوالي 25 مليون سنة، مما أدى إلى إغلاق بحر تيثيس المغمور في الشمال الشرقي، وأدى التصدع في إفريقيا والجزيرة العربية إلى فتح البحر الأحمر وخليج عدن، على حدود الصفيحة على الجانبين الجنوبي الغربي والجنوبي على التوالي".

وتضيف:"يبلغ معدل تمدد البحر الأحمر حوالي 10 مم في السنة، ويُعتقد أن خليج عدن عبارة عن صدع تمدد يفتح باتجاه الغرب بمعدل 3 مم في السنة تقريبًا مع استمرار فتح البحر الأحمر. وكانت اصطدمت الصفيحة العربية في النهاية بالاوراسية ( الاناضولية ) وتم تحديد منطقة الاصطدام هذه بجبال زاغروس. هذه السلسلة الجبلية لها معدل تصادم 9 ± 3 مم / سنة في جنوب شرق و 5 ± 3 مم / سنة في شمال غرب ( يقع صدع تحويل البحر الميت على حدود الصفيحة العربية في الغرب وشهد ما يقرب من 107 كم من الإزاحة الجانبية اليسرى منذ منتصف العصر الميوسيني، والذي يترجم إلى انزلاق على الصدع يبلغ 6-10 مم / سنة تقريبًا".

وماذا عن البراكين؟

تستضيف الصفيحة العربية، بحسب عامر، هضاب بازلتية واسعة النطاق من العصر الحجري القديم تمتد موازية للبحر الأحمر، ويشار إليها باسم الحارات . في المجموع، تغطي مساحة قدرها 180 ألف كيلومتر مربع وتعتبر مرتبطة بالتصدع في البحر الأحمر خلال العصر الأوليغوسيني. أكبرها حارات آش - وهي تمتد على مساحة 50 ألف كيلومتر مربع كمخاريط حمم بركانية وبراكين درع وحفر مائية. وتم تحديد فترتين من النشاط لهذا الحقل البركاني ؛ الأول يمتد من أواخر عصر أوليغوسين إلى منتصف العصر الميوسيني ويعزى إلى صدع البحر الأحمر، والثاني من 13 مليون سنة تقريبًا استجابةً للدوران عكس اتجاه عقارب الساعة للصفيحة العربية.

وتتابع:"أمّا بالنسبة لصدع البحر الأحمر، فهو مركز تمدد بين صفيحتين تكتونيتين:الأفريقية و العربية. يمتد صدع البحر الأحمر من منظومة صدع البحر الميت، وينتهي عند التقاطع مع نتوء عدن وصدع شرق أفريقيا، مشكلاً التقاء العفر الثلاثي في منخفض العفر بالقرن الأفريقي. ويقع صدع البحر الأحمر في مصر. وتشمل منطقة الصدع جزيرة جبل الطير، التي شكلها بركان طبقي بازلتي يحمل الاسم نفسه، والواقعة شمال غرب باب المندب عند مصب البحر الأحمر، عند منتصف الطريق بين اليمن وإريتريا. اندلع البركان في 30 أيلول/سبتمبر 2007، بعد 124 عاماً من الخمول".

وتختم بخصوص البراكين:"بشكل عام لا يوجد دلائل على نشاط بركاني حالي و لا يمكن التنبؤ بالبراكين كما الزلازل بل نعتمد على المؤشرات الاولية".



معالجة البيانات

بعد زلزال 6 شباط/فبراير وويلاته، ترى عامر ضرورة في معالجة البيانات الزلزالية الحقيقية في سوريا و مكاملتها مع الانزياحات المسجلة من الاقمار الصناعية و المعلومات الجيولوجية و النماذج المتوافرة جراء حسابات تغيرات الضغط( الاجهاد) الحاصل نتيجة هذه الاحداث ووضع خريطة خطر زلزالي جديدة في سوريا توضح وضع المنطقة وتوزعات الضغط والاماكن الاكثر احتمالية لحدوث الهزات.


فوالق لبنان


يؤكّد الباحث في علم الزلازل في الجامعة الأميركية في بيروت طوني نمر أنّ فوالق لبنان نشطة على مر التاريخ: "في سرغايا حصل زلزال عام 1759 بقوة 7.4، وآخر في اليمونة عام 1202 بقوة 7.5، وهناك الفالق البحري الذي سبّب عام 551 م زلزالا بقوة 7.2 وتبعه تسونامي، إضافة الى العديد من الزلازل التي لا يمكن تحديد موعد استيقاظها مجددا".

يشرح نمر عن الفالق الذي يشكل الخطر الأكبر على لبنان:" لا يمكن توقّع حجم الزلزال بالنظر الى قوة الضغط الدفينة وعوامل الأرض ومعطيات أخرى. عموما، يمتد فالق اليمونة من الجنوب الى الشمال وبالتالي هو الاطول ويقطع كل لبنان واذا تحرك كله يعطينا زلزالا كبيرا أكبر من الذي يصدر عن فالق سرغايا لأن الأخير فعليا أقصر من فالق اليمونة. أما الفالق البحري فهو الأطول من فالقي سرغايا واليمونة واذا تحرك كله يمكن أن يحدث زلزالا كبيرا في سلسلة اللاذقية وبين قبرص بما يتجاوز 7.5 درجات.وقد حصل هذا الأمر في زلزال عام 551 بقوة 7.2 وممكن أن تفوق قوته هذا الرقم محدثا تسونامي تدميري".

ويلفت الى أنّ "فالق البحر الميت الذي يفصل الصفيحة العربية عن الصفيحة الافريقية يمر بلبنان من خلال فالق اليمونة ويتفرع عنه فوالق راشيا و سرغايا وروم. يعني ذلك أنّ لبنان على حدود صفيحتين . ولا ننسى زلزال عام 365 م الذي ضرب بقوة الارك الهليني جنوب اليونان ووصل الى 8.3 درجات مخلفا تسونامي خفيف على لبنان. وفي عام 551 ضرب زلزال على الارك القبرصي بقوة 7.2. والأخير له امتداد نحو الشرق ناحية سلسلة اللاذقية البحرية وفي حال تحرك يترك تأثيرا قويا على لبنان".


مناطق حمراء

يرفض نمر صيغة "مناطق حمراء" وأخرى آمنة على اعتبار أن كل لبنان تخترقه الفوالق، لكنّ الحجم التدميري للزلزال يتعلق بنوعية الصخور والتربة ومدى مقاومة الأبنية، يقول:"في العموم تعدّ المباني المشيّدة بعد الحرب أكثر مقاومة للارتجاجات. وفي حال كانت الصخور صلبة ومتماسكة، فإنها تقاوم الزلازل أكثر.على سبيل المثال، أبنية الداون تاون والمرفأ مقاومة للزلازل لأنها شيدت بعد الحرب ضمن المقاييس الهندسية التي تراعي هذا الامر. ويبقى مدى التحمل رهن قوة الزلزال".


7.5 وأكثر..


والسؤال الأخير:هل من الوارد أن يتعرض لبنان لزلزال تفوق قوته 7.5 درجات؟، يومئ إيجابا موضحا: "ممكن تجاوز الـ 7.5 الزلازل في حال تحرك فالق اليمونة أو سلسلة اللاذقية في البحر ولكن لن نقول بأن الآتي سيكون زلزالا تدميريا نظرا لاحتمالية أن يأتي على مرحلتين: أي لا يتجاوز الـ6 درجات في الشمال او 6.2 في الجنوب فتنفس الارض الاحتقان بضرر أقل ونكون محظوظين".

يقرأون الآن