"إما بيع كليتي لعلم بنتي، إما بسجلها بمدرسة رسمية بالإسم، لأن هي أصلا مش عم تروح".
بهذه العبارة القاسية، تحاول السيدة نانسي يزبك، أن تشرح لنا معاناتها مع الضائقة المعيشية التي لحقت بها مع الإنهيار غير المسبوق لليرة اللبنانية.
وتستذكر بحسرة، " كيف أخبر إبنتي التي لطالما حلمت بحقيبة باربي في يومها الدراسي الأوّل أنّ سعرها يوازي دخل والدها... لقد هرعت بإبنتي إلى مدرسة رسمية، لأتفاجأ هذا العام بالوضع المذري الذي تمر به المدارس".
حالة نانسي ليست إستثنائية في لبنان، مع الأزمات المتناسلة التي صُنفت على إنها واحدة من ثلاث أكبر أزمات في العالم، بات الأهالي يجدون أنفسهم في واقع خيّب أمالهم ببناء مستقبل أفضل لأبنائهم.
ماجد هلال وهو أب لأربعة أولاد، بدوره عبّر لـ"وردنا" عن حزنه لتخلّفه عن دفع أقساط أبنائه، مشيراً إلى صراع يعيشه بين قرار نقلهم إلى مدرسة رسمية وبين المكافحة من أجل تعليمهم في مدرسة خاصة.
بطرفة عين مرّ الموسم التعليمي هذه السنة، فالملف التربوي حُكم عليه مسبقاً بتخبّطٍ دائمٍ في ظل الواقع الراهن، وبعد إضرابٍ للمدارس الرسمية إستمر ما يقارب ثلاثة أشهر، لحقت بها المدراس الخاصة، تاركين مصير العام الدراسي بين أيدي دولة عاجزة ومفلسة.
المحروقات طليعة الحل!
خمسة ليترات من البنزين، كانت كفيلة لإستئتاف التدريس الرسمي، بعد أن أقرّ وزير التربية عباس الحلبي، خمسة ليترات من البنزين يومياً بمعدل أربعة أيام عمل أسبوعياً للملاك كحد اقصى، وثلاثة أيام للمتعاقدين في المدارس والثانويات والمعاهد والمدارس الفنية كحد أقصى.
بالإضافة إلى "ثلاثمئة دولار أميركي عن الأشهر الثلاثة الأولى من العام الدراسي الحالي، التي سبقت عطلة رأس السنة، يتم استلامها عبر شركات تحويل الأموال وذلك على دفعتين".
لكنّ الأساتذة أشاروا إلى أنّ البنزين ليس إلاّ مدخلا لحل يرتبط بباقي البنود التي وعد بها وزير التربية، كبدل الإنتاجية والإستشفاء والحوافز بالدولار.
الحوافز غير متوفرة حالياً..
رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة، نعمه محفوض، أكد في حديث مع "وردنا"، أن إعلان الإضراب جاء كحل لتأمين بدل النقل على سعر الدولار (خمسة ليترات من البنزين) كالمدارس الرسمية، بالإضافة إلى مطالبة المدارس الخاصة بدفع رواتب أساتذتها بالدولار، مشدّداً على أن راتب الأستاذ اللبناني أصبح يعادل "صفراً".
وأضاف "إذا إستمر هذا الإرتفاع الجنوني للدولار، فلا حل سوى أن نجلس في بيوتنا، نحن الآن في الجحيم، لا يمكننا وضع أي خطط طويلة الأمد، كل تلك التي نضعها هي حلول ترقيعية ويومية".
خلافاً لقرار النقابة، أبقت مدرسة الـ "ليسيه برومي"، أبوابها مفتوحة، إذ أشار مديرها عبد مرتضى لـ "وردنا"، إلى أنه "لم ولن يتم رفع الأقساط في الوقت الحالي، فالأهالي لم يعد بقدرتهم أن يتحملوا زيادة في الأقساط" وأن "العلاقة التي تجمع المدرسة مع الأساتذة هي علاقة طويلة الأمد، ونحن على إتفاق معنوي أكثر منه مادي".
الثقة بين الأساتذة والوزارة "مفقودة"
من جهته، قال المستشار الإعلامي لوزير التربية، ألبرت شمعون، لـ "وردنا"، أن توقف العام الدراسي هذه السنة له علاقة بالأساتذة ومطالبهم، وإنّ عودة أساتذة الرسمي والخاص عن الإضراب بات يقتصر على ارتفاع الدولار، وأضاف "كلما ارتفع الدولار أصبحنا نرى الأساتذة يعلنون الإضراب".
الّا أن مصدراً في وزارة التربية، طلب عدم الكشف عن هويته، تحدث لـ"وردنا" عن وجود صراع بين وزير التريية عباس الحلبي وبين وزارة المالية، اذ تشير الأخيرة إلى إفتقارها للأموال اللازمة من أجل تحقيق وعود الأساتذة.
وأشاد المصدر بمحاولات الحلبي إيفاء جميع البنود التي وعد بها الأساتذة، إلاّ أنّ الظروف المادية والإقتصادية التي تمر بها البلاد، تقف عائقا أمام ذلك.
وتابع "على ما يبدو أن الحكومة لم تأخذ أزمة القطاع التربوي على محمل الجد، بل تتصرف وكأنها غير معنية بالملف". واصفاً الوضع التربوي "بالكارثي والضبابي"، فالحلول شبه غائبة، والإجراءات التي يمكن للوزارة اتخاذها بحق الاساتذة الممتنعين عن التعليم "شبه مستحيلة"، مشيرًّا إلى أن "الثقة بين الأساتذة والوزارة مفقودة"، والوعود التي تعطيها الوزارة، اليوم، أشبه بمن "يبني قصرا من رمل".
القطاع التربوي على حافة الهاوية..
أما فيما يتعلق بمسألة إجراء الإمتحانات الرسمية، تشير مصادر التربية الى أن الأسئلة التي يجب أن تُطرح في ظل هذه الأجواء، "هل تبقى المدارس الرسمية موجودة؟ ما هو مصير القطاع التربوي؟ وهل ستبقى وزارة التربية؟"
اسئلة يتوقف عليها مصير بلدٍ كان يوماً منارة الشرق، وبانتظار الاجابة عنها، بات اللبنانيون يشحذون تعليمهم، بعد أن أذلتهم الخيبات المتراكمة من دولة أقصى ما تجيده، إستجداء الهبات من المنظمات والحكومات الأجنبية.