ينتظر ساسة لبنان المتشاحنون تدخل قوى أجنبية لحل الأزمة المتعلقة بمن سيشغل مقعد الرئاسة تاركين بلادهم تسير بلا هدى مع اقتراب أجهزتها المتداعية من حافة الانهيار.
وبعد فشل البرلمان للمرة الثانية عشرة في انتخاب رئيس جديد، يعتقد الكثيرون أن ما سيحدث في المرحلة المقبلة يتوقف على تأثير تقارب العلاقات بين السعودية وإيران على منطقة الشرق الأوسط، مع كون لبنان على مر التاريخ ساحة تنافس بين القوتين الكبيرتين.
والمأزق ليس مفاجئا في بلد يقوم نظامه السياسي على المحاصصة الطائفية ويخرج من أزمة ليدخل في أخرى منذ استقلاله، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تدخل قوى أجنبية ذات نفوذ لدى الأطراف المتنافسة.
والقوى الخارجية هي التي أنهت الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت بين عامي 1975 و1990 من خلال اتفاق الطائف للسلام المدعوم من السعودية، وتكرر الأمر في 2008 حينما حال اتفاق جرى التوصل له في قطر دون انزلاق لبنان في صراع.
والموقف الحالي سيء حتى بمعايير هاتين الأزمتين؛ إذ استُنزفت الدولة جراء انهيار مالي مستمر منذ 2019. ويعتمد الجيش على المساعدات القطرية والأمريكية.
والخلاف حول من سيشغل مقعد الرئاسة المخصص للطائفة المارونية يضع "حزب الله" وحلفاءه في مواجهة مع منافسين من بينهم الأحزاب المسيحية الرئيسية، وهو ما يضفي على الخلاف صبغة طائفية واضحة.
وأحبط "حزب الله" محاولة من المنافسين في الأسبوع الماضي لانتخاب الوزير السابق جهاد أزعور، والذي يشغل منصب مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، مع وقف التنفيذ بعد ترشيحه من قبل القوى المعارضة للرئاسة الأولى.
ونقلت رويترز عن مصادر مطلعة على وجهة نظر "حزب الله" إنه متمسك بمرشحه سليمان فرنجية، مستشعراً أن التطورات في المنطقة تمضي في صالحها وخصوصا بعد أن رحبت الرياض بالرئيس السوري بشار الأسد.
لكن ليس لدى حزب الله ولا منافسيه ما يكفي من النواب بالبرلمان لفرض اختيار أي منهم.
في المقابل قال عضو كتلة "اللقاء الديمقراطي" النائب وائل أبو فاعور إن "الكل ينتظر الآن إذا حدا بدو يجيب شي سلم من برا ينزلنا كلنا عن الشجرة". مشيراص الى أنه يجب الاستفادة من المناخ الايجابي في المنطقة.
اما عضو تكتل "لبنان القوي" النائب آلان عون يبدو أكثر حذرا، وقال لرويترز "تتركز الأنظار الآن على ما قد تسفر عنه الاتصالات الدولية في نهاية المطاف" مبدياً خشيته من أن لا ينتج شيء عن الحراك بالمنطقة.
ولدى المملكة العربية السعودية، راعية اتفاق الطائف، مخاوف أخرى في هذه الأيام، ولا سيما إنهاء الحرب في اليمن. ولطالما كانت لبنان قضية ثانوية بالنسبة للرياض، لاسيما وأنها أنفقت مليارات الدولارات داخل هذا البلد من دون أن ينل ذلك من هيمنة حزب الله.
لبنان ليس على قمة أولويات الرياض
ونقلت رويترز عن مسؤول إيراني كبير، دون ان تفصح عن اسمه، أن قضية لبنان نوقشت بشكل وجيز في اجتماع في الآونة الأخيرة بين وزيري خارجية السعودية وإيران. وأضاف "من السابق لأوانه اعتقاد أن الاتفاق الإيراني السعودي سيحل جميع القضايا بالمنطقة، لكن يجري اتخاذ خطوات".
وأشار إلى أن طهران رحبت بعودة الأسد إلى الصف العربي وأضاف "بمشيئة الله ستُحل قضايا أخرى أيضا، ومن بينها قضية لبنان".
ومضى يقول "لكن طهران تعتقد أن هذا شأن داخلي وأن على جميع الأطراف اللبنانية ذات الصلة أن تتغلب على هذا الجمود عبر التفاوض فيما بينها".
وفي محاولة جديدة لكسر الجمود، تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حول موضوع لبنان.
ويقول دبلوماسيون فرنسيون إن الانفراجة السعودية الإيرانية ربما يكون لها أثر إيجابي، ويأمل ماكرون في إقناع الرياض بدعم أي حلول وسط محتملة. وتوجه المبعوث الفرنسي جان-إيف لودريان إلى بيروت للتشاور مع الأحزاب. وقال لودريان "ليس في جعبتي أي خيارات، سأستمع للجميع".
وكانت جهود الرئيس الفرنسي ماكرون قد فشلت بصورة متكررة في حل أزمات لبنان منذ انفجار مرفأ بيروت في 2020. ويرى كثيرون أن النخبة السياسية الحاكمة مسؤولة عن عرقلة تنفيذ الإصلاحات لحماية مصالحها الشخصية.
أشار المحلل السعودي علي الشهابي إلى أن الرياض تدعم مبادرة فرنسا، معرباً عن اعتقاده أن المملكة ستدعم من ستدعمه فرنسا "أيا كان". وأضاف أن لبنان ليس على قمة أولويات الرياض.
واجتمع فرنجية مع مسؤولين فرنسيين بباريس في آذار/ مارس، في زيارة نظر إليها كثيرون في لبنان على أنها تزكية له، غير أن فرنسا لم تعلن دعمها لأي مرشح ويوجد آخرون من الطائفة المارونية في الصورة.
وقالت دوروثي شيا السفيرة الأمريكية لدى لبنان إن البرلمان هو المنوط به التوصل إلى توافق على اختيار رئيس بوسعه العمل مع حكومة لتنفيذ الإصلاحات.
وأضافت في كلمة "ينصب الكثير من الاهتمام على التقارب بين إيران والسعودية وتأثيره المحتمل على لبنان".
وقالت "نحن أيضا نأمل في تخفيف حدة التوتر بالمنطقة. لكننا نعلم أيضا أن التغيير الحقيقي في لبنان لن يأتي من خارج حدود بلادكم، فالمستقبل في أيديكم أيها اللبنانيون".