أرخت الضربة الإسرائيلية الاخيرة لمقر القنصلية الايرانية في دمشق، واغتيال مجموعة من مسؤولي وضباط الحرس الثوري الايراني، وبينهم من يتولى مسؤولية الملف اللبناني والتنسيق مع حزب الله، بتداعيات سلبية وتفاعلات على الساحة اللبنانية، نظرا لترابط هذا الحدث، بالمواجهة التي يتولاها الحزب ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود اللبنانية الجنوبية، وزادت من التعقيدات التي تحوط الازمة الداخلية المتعددة الاوجه، وصعوبة مقاربة اي جهود او وساطات لحلها في الوقت الحاضر وفق ما ورد في "اللواء".
اذ بينما كان البعض يأمل أن تطرأ حلحلة ما، تؤدي بعد تحقيق وقف جدي وثابت لاطلاق النار في غزة، الى اختراق ولو محدود، في ملف الازمة يتم من خلاله انتخاب رئيس للجمهورية وتاليف حكومة جديدة، توسعت وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية، واستهدفت ضباط الحرس الثوري الايراني في دمشق، وفرضت واقعا أمنيا متوترا، وباتت معه مساعي التوسط لحلحلة الازمة محكومة، بتداعيات حادث الاغتيال وتفاعلاته وردود الفعل الايرانية عليه، في ظل صعوبة بالغة، للفصل بين التطورات المستجدة والمتسارعة، وجهود تحقيق اختراق ما بجدار الازمة اللبنانية.
منذ بداية المواجهة العسكرية جنوبا بين حزب الله وإسرائيل قبل ستة أشهر، ربط الحزب مسألة اطلاق مسار انتخاب رئيس الجمهورية وحل الازمة داخليا، بانتهاء حرب غزّة، وعطل جميع محاولات الاطراف السياسيين بالداخل والموفدين من الخارج، لايجاد حل مناسب للخروج من الازمة، متذرعا بانشغاله بمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية.
واليوم اضافت عملية اغتيال ضباط الحرس الثوري في دمشق ذريعة اضافية للحزب للتهرب من مسؤوليته، في عرقلة انتخابات رئاسة الجمهورية ووضع العصي في طريق اي جهد مبذول من الدول العربية الشقيقة او الصديقة، بحجة التلطي وراء هذه العملية الخطيرة وتداعياتها، لعرقلة مسار حل الأزمة الداخلية المتفاقمة.
انطلاقا من هذا الواقع المتردي، ومحاولة ربط منحى المواجهة العسكرية المحتدمة بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود اللبنانية الجنوبية، وما يمكن ان تكون عليه نتائج المواجهة بين ايران وإسرائيل على اعلى المستويات في الاسابيع المقبلة، لاسيما اذا أصرت إيران على ان يكون الثأر من تدمير مقر القنصلية الايرانية في دمشق، من لبنان وحتى من جبهات اخرى ثانوية او من الاراضي الايرانية، وإن كان ذلك مستبعدا لخشية طهران من ردات فعل إسرائيلية مدمرة، يبقى الوضع اللبناني مشدودا، الى مصير حرب غزّة تحديدا، والحروب الدائرة على هامشها، لمعرفة المنحى ألذي تسلكه التطورات، ومدى تأثيره على جبهة المواجهة المحتدمة بين الحزب وإسرائيل جنوبا.
الواضح أن امعان إسرائيل بتوسعة نطاق الاشتباكات المسلحة الدائرة جنوبا وخارج قطاع غزة، والقيام بعمليات اغتيال لقيادات وضباط الحرس الثوري الايراني في كافة ارجاء الاراضي السورية، وضرب مقرات ومراكز للحزب في عمق الاراضي اللبنانية، وضع النظام الايراني وحليفه حزب الله، في موقف حرج، وأمام احد خيارين، لا ثالث لهما.
فإما أن يتم الرد على عمليات الاغتيال والاستهداف، بعملية نوعية ايرانية او من احد اذرع طهران بدول الجوار، لاستعادة الحد الادنى من المصداقية المتهالكة امام الرأي العام وجماهير المحور المتحالف معهما، او يكتفيان بسيل التهديدات والوعود، مع ابقاء الوضع مشدودا وعلى حافة التوتر، وهذا هو الخيار المرجح حتى اليوم.
وفي كل الأحوال، لا يمكن تجاهل مؤثرات عملية تدمير مقر القنصلية الايرانية في دمشق وتداعياتها على الساحة اللبنانية، التي تبدو حاليا في سباق لفصل جبهة الجنوب، عن مسار حرب غزّة ونتائجها، وإن كان مثل هذا التمنِّي صعبا في ظل اصرار النظام الايراني على استعمال جبهة الجنوب اللبناني، منطلقا لتكريس نفوذه من بوابة التضامن ودعم غزّة، وتأكيد حزب الله الاستمرار في مشاغلة قوات الاحتلال الإسرائيلي عن العدوان ضد الشعب الفلسطيني، وسباق بين تسريع خيار الديبلوماسية الاميركية التي يقودها المستشار الرئاسي الاميركي اموس هوكشتاين لتهدئة الاوضاع المتدهورة جنوبا والتوصل إلى تفاهم لتنفيذ القرار الدولي رقم١٧٠١، او الانجراف باتجاه اعادة تكريس لبنان منصة، لتوجيه الرسائل وتصفية الحسابات خدمة لمصالح إيران، مع مايسببه مثل هذا الخيار من اضرار ونتائج مدمرة على لبنان كله بحسب "اللواء".