دولي

غضب في غزة من حماس وقائدها

مع اقتراب الحرب المدمرة في غزة من بلوغ شهرها السابع، لا تزال مسألة شعبية حركة حماس التي تسيطر على القطاع الفلسطيني منذ عام 2007 موضع شك.

ويرى محللون أن الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها سكان قطاع غزة ساهمت في تراجع شعبية حماس.

لكن النقيض تماما يحدث في الضفة الغربية من خلال حصول الحركة على نسب تأييد مرتفعة، وفقا لآخر استطلاعات للرأي.

غضب في غزة من حماس وقائدها

أفراد من حماس

قبل اندلاع الحرب، كشفت آخر استطلاعات الرأي أن سكان غزة "لم تكن لديهم ثقة كبيرة في حكومتهم التي تقودها حماس"، بحسب "الباروميتر العربي"، وهي شبكة بحثية مستقلة غير حزبية، تقدم نظرة ثاقبة عن الاتجاهات والقيم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمواطنين العاديين في الدول العربية.

وعندما طُلب منهم تحديد مدى الثقة التي لديهم في سلطات حماس، قال 44 في المئة من الناس الذين شملهم البحث، إنهم لا يثقون في حماس على الإطلاق، فيما ذكر 23 في المئة أنه "ليس هناك الكثير من الثقة".

وأعرب 29 في المئة فقط من سكان غزة عن ثقتهم "بقدر كبير" في حكومتهم. علاوة على ذلك، قال 72 في المئة إن هناك قدرا كبيرا من الفساد في المؤسسات الحكومية، فيما اعتقدت أقلية أن الحكومة تتخذ خطوات حقيقية لمعالجة المشكلة.

تراجع التأييد لحماس في غزة

ومؤخرا، كشف استطلاع رأي نشره، الاسبوع الماضي، المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية - مؤسسة أكاديمية علمية بحثية مستقلة غير ربحية وغير حكومية - أن 59 بالمئة من الفلسطينيين (64 في المئة في الضفة و52 في المئة في القطاع) يفضلون حكم حماس بعد انتهاء الحرب.

وجاءت تلك النسبة أقل عن تلك التي سجلت في البحث السابق الذي أجراه المركز ذاته قبل 3 أشهر، إذ كانت النتيجة حينها تشير إلى أن 60 في المئة من الفلسطينيين يفضلون حكم حماس بعد الحرب.

لكن اللافت هو ارتفاع النسبة لدى سكان غزة تحديدا من 38 في المئة في كاون الثاني/ يناير إلى 52 في المئة خلال أبريل، وهي التي قال عنها المركز إنها "أحد أهم نتائج الاستطلاع" الأخير.

لكن على مستوى الاتجاه السياسي الذي يؤيدونه في الضفة وغزة، انخفض دعم حماس من 43 في المئة إلى 34 في المئة في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024، حسب الاستطلاع الأخير الذي أجراه المركز الفلسطيني أوائل شهر آذار/ مارس الماضي ونشره منتصف نيسان/ أبريل الجاري.

وفي حديث لـ"فايننشال تايمز" البريطانية، قال رئيس الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، خليل الشقاقي، إنه "ليس هناك شك في أن الدعم لحماس يتراجع في غزة؛ لأن المزيد من الناس يشعرون بأن حماس تتحمل جزء من مسؤولية الألم الذي يعانون منه".

ومنذ سيطرتها على قطاع غزة في عام 2007 بحكم الأمر الواقع، تحكم حركة حماس - المصنفة كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة - "بقبضة محكمة"، حسبما ذكرت الصحيفة ذاتها في تقرير جديد لها.

يحيى السنوار

وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن "استعداد الفلسطينيين بقطاع غزة للتعبير عن غضبهم من حماس، أصبح متزايدا في ظل الاتهامات الموجهة للجماعة المسلحة بالفشل في توقع شكل الانتقام الإسرائيلي القوي على هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر التي أشعلت شرارة الحرب".

وكانت حماس شنت هجوما غير مسبوق على إسرائيل، مما أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص معظمهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال، بحسب السلطات الإسرائيلية.

وبعد أكثر من 6 أشهر على الحرب التي تشنها إسرائيل على حماس، قُتل أكثر من 34 ألف شخص معظمهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال، وفقا لسلطات القطاع الصحية، التي لا تميز في حصيلتها بين المسلحين والمدنيين.

كما أدت الحرب الطاحنة إلى تحويل الجيب الساحلي إلى أنقاض، وتركت السكان في حالة كارثية مع خطر انتشار المجاعة، مما جعل كثير منهم يكسرون الصمت ويتحدثون علنا ضد حركة حماس، كما تقول صحيفة "فايننشال تايمز".

وقال نسيم، وهو موظف حكومي متقاعد من مدينة رفح جنوبي القطاع، حيث يلجأ أكثر من مليون شخص على الحدود مع مصر: "كان ينبغي عليهم توقع رد فعل إسرائيل والتفكير في ما سيحدث لـ 2.3 مليون من سكان غزة الذين ليس لديهم مكان آمن يذهبون إليه".

وأضاف بقوله إنه كان ينبغي على الحركة المسلحة استهداف المواقع العسكرية فقط.

أفراد من حماس

وفي الاتجاه ذاته، يذهب محمد وهو مواطن آخر من غزة تحدث مع صحيفة "فايننشال تايمز"، ملقيا باللوم على زعيم حماس في غزة، يحيى السنوار، الذي تعتبره إسرائيل العقل المدبر لهجمات السابع من أكتوبر الدموية.

وقال محمد: "أدعو الله كل يوم أن يعاقب من أوصلنا إلى هذا الوضع.. أصلي كل يوم من أجل موت السنوار".

شعبية في الضفة

ويقول محللون إن غياب قوة الأمن الداخلي القوية التابعة لحماس – والتي كانت متخفية لتجنب الهجمات الإسرائيلية – فتح مساحة غير مسبوقة لأولئك المستعدين للتنفيس عن إحباطهم من الجماعة المسلحة وقيادتها.

وقال المحلل المختص بشؤون غزة في مجموعة الأزمات الدولية، عزمي كيشاوي: "أصبح المنتقدون أكثر جرأة؛ لأنهم لم يعد هناك ما يخشونه الآن".

وأضاف في تصريح للصحيفة البريطانية: "مقاتلو حماس مشغولون بإسرائيل وليس لديهم الوقت للتعامل مع الناس العاديين. وتتعرض قوة الشرطة التابعة لهم أيضا لهجمات من قبل الإسرائيليين".

كذلك، يرى بعض المحللين أن الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعيشها سكان قطاع غزة ساهمت في انخفاض شعبية حماس، رغم أن الحروب مع إسرائيل ترفع من أسهم الجماعة الإسلامية.

أفراد من حماس

وقال مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر في غزة التي دمرت بسبب الحرب: "لم يعد الناس خائفين"، حسب ما نقلت عنه صحيفة "فايننشال تايمز".

وأضاف أبو سعدة الذي غادر القطاع إلى مصر في أواخر العام الماضي: "لقد عانوا كما لم يحدث من قبل، ووضعهم كارثي للغاية لدرجة أنه (التعبير عن آراءهم) لا يشكل أي فرق بالنسبة لهم. إنهم يواجهون الموت بالفعل".

وفرضت حماس خلال سنوات حكمها "سيطرة قوية على غزة وسكانها، واعتقلت المنتقدين ولم تسمح بمساحة كبيرة للمعارضة"، وفقا للصحيفة.

من جانبه، قال أبو سعدة في تصريحاته للصحيفة البريطانية: "ربما تفقد حماس شعبيتها في غزة، لكنها لا تزال تحظى بشعبية كبيرة في الضفة الغربية وبين الفلسطينيين في الأردن وسوريا ولبنان".

أما عن أسباب ارتفاع معدلات التأييد للحركة في الضفة الغربية في آخر استطلاعات الرأي مقارنة بغزة، فيشير العلي إلى أن "حماس منتشرة في كامل الأرجاء الفلسطينية لأسباب وطنية وليست أيدولوجية".

وتابع العلي الذي يقيم في رام الله وينتمي إلى اليسار: "أنا أدافع عن حماس لاعتبارات وطنية وليس لأيدلوجيتها الإسلامية، حماس تضع رؤيتها الوطنية في الواجهة قبل أيدولجيتها، ولذلك الضفة تنظر لها من هذه الزاوية".

كذلك، لفت المحلل السياسي الفلسطيني إلى أن "كافة قوى المعارضة تتحسن أوضاعها باستمرار" وذلك جراء "حالة الاستياء العام من السلطة الفلسطينية".

ومضى في قوله: "هناك حالة استياء شعبية واسعة من سلوك السلطة وعدم احترامها لقرارات المؤسسات الشرعية التي طالبت إنهاء التنسيق الأمني مع الاحتلال وإعادة النظر في الاتفاق الاقتصادي.. هناك قوى أخرى وضعها السياسي يتحسن بسبب السياسة الرسمية الفلسطينية".

يقرأون الآن