لم يكن موفقاً، ولا ناجحاً، الرئيس نجيب ميقاتي هذه المرة في تقديم عرض وإخراج مبلغ المساعدة التي حصل عليها لبنان من الاتحاد الأوروبي، والتي أُعلن عنها مع زيارة رئيس قبرص نيكوس خريستودوليدس، برفقة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى لبنان، والتي عُرفت إعلامياً ودعائياً برشوة المليار.
الواقع، أن الرئيس ميقاتي كان يجب أن يتمسك بالأصول القانونية والدستورية، قبل أن يوحي ويعلن أنه قبِل بالمساعدة الأوروبية. إذ كان بإمكانه الترحيب بالأمر مبدئياً، وربطه مباشرة بموافقة الحكومة وإحالة الموضوع إلى المؤسسات، أي إلى جدول أعمال مجلس الوزراء لدراسته قبل الإيحاء أنه قبل بالأموال. لكان في هذه الحال وفّر على نفسه وعلى البلاد والمؤسسات، هذا المخاض المزعج والبالي من العنتريات الفارغة والمزايدة التي سيطرت وتسيطر على الأجواء وتخضع البلاد لها الآن. ولكان وفر على نفسه كرئيس للحكومة، التنقل بين اختبار صدقية في بكركي، التي لا علاقة لها بهذا الموضوع الإجرائي الحكومي، وآخر للتغطية و"الكاموفلاج" camouflage المؤسساتي الباهت والصوري في ساحة النجمة.
وقد زاد في الطين بلة أنه أعلن، في الوقت عينه، عن موضوع الهجرة الموسمية للعمل في أوروبا. فاكتمل إعلامياً عقد إدانته من قبل قوى سياسية باتت تعيش على انتظار الفرصة المناسبة للتحريض والنفخ بنار وجود النازحين السوريين. وذلك بسبب العجز عن إنجاز أي خطوة سياسية جدية في موضوع إنقاذ وانتشال لبنان من الحفرة التي وقع فيها، نتيجة العجز والفشل القيادي والمؤسساتي اللبناني.
لكن المفارقة أن الأنظار اتجهت إلى خطوة ميقاتي المتعجلة أو المتسرعة بالإيحاء بقبول المساعدة الأوروبية، وتناست أسباب المشكلة الحقيقية في موضوع النازحين، والتي تقوم وتستند في أساسها على قاعدة مركزية، وهي أن سبب الكارثة الفعلية المستمرة وتفاقمها عائد إلى أن النظام السوري الذي هجّر وطرد من سوريا هذه الأعداد الهائلة من السكان السوريين بقصد تكريس الغلبة الداخلية. هو الذي يرفض حتى الآن بشكل فعلي أي خطط جدية لإعادتهم. وهي النقطة الأساسية التي يتم تجاهلها، والتي تلعب دوراً في مفاقمة المشكلة، خصوصاً بعد ترداد أبواق النظام في سوريا، أكثر من مرة، الارتياح إلى وضعية ونظرية الانسجام الديمغرافي بعد التطهير والتهجير الذي حدث.
مع العلم أن المساعدة الأوروبية البسيطة، لا تكفي لسد "شروى نقير" من حاجات النازحين السوريين المقيمين في بلدنا، وفي الوقت عينه تكرس استمرارهم في لبنان لأربع سنوات مقبلة.
حقيقة الأمر، أن هناك قوى كثيرة لا تريد عودة النازحين إلى قراهم التي توقفت الحرب فيها منذ فترة طويلة، بسبب استمرار استخدامها كمواقع ومناطق عسكرية حتى الآن. بما في ذلك خريطة انتشار المواقع العسكرية لحزب الله في الأراضي والقرى السورية، وخصوصاً القريبة من الأراضي اللبنانية، كمنطقة القصير وريف دمشق، وغيرها الكثير من المناطق الحدودية مع لبنان.
تشير المعلومات إلى أن النظام الحاكم في سوريا لا يريد ولا يرغب في إعادة أعداد كبيرة من النازحين إلى مناطقهم في سوريا، بعد سيطرته على الكثير من هذه المناطق التي كانت متمردة. وهو يريد الإبقاء على أوضاعها الحالية بانتظار قبض ثمن إعادة النازحين إلى مناطقهم، على طريقته وتحت إشرافه الأمني والسياسي، وبعد تدفيع الدول العربية والغربية لحسابه ثمن إعمار ما تهدم من منازل وبنى تحتية.
أضف، أن إعادة النازحين إلى مناطقهم لن تكون متاحة أو مرحب بها إلى كل المناطق. بل إن هناك صياغات مناطقية وديمغرافية جديدة، يبدو أنها ستكون هي الحاكمة في من يعود إلى هنا أو هناك من مناطق دون غيرها.
في المقابل، فإن المجتمع الغربي ليس بعيداً عن بازار المناكفات والمزايدات والخرائط التي قد ترسم لسوريا والمنطقة.
بمعنى آخر، إن عناصر إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم يبدو أنها لم تكتمل بعد، على مستوى منطقة المشرق العربي، الداخلة في مرحلة جديدة بعد طوفان الأقصى.
من هنا، فإن إقدام الرئيس ميقاتي على الإيحاء بأنه قبِل المساعدة الأوروبية، من دون احتساب كل المعطيات المحيطة بالقضية، فجّرت في وجهه عاصفة لم يكن بحاجة إليها في هذه الظروف. فوقع بين فكّي كماشة مزايدة وتنافس حزبيّ القوات والتيار الوطني، الباحثين عن عنصر توتير وتحشيد وإثارة واستقطاب ومزايدة، في مقابل عدم نضوج ظروف العودة، بالتقاطع مع انتهازية ومصالح الدول الأوروبية، وتمنّع النظام السوري عن التفكير بإعادتهم لتكريس سيطرته على أغلب مناطق سوريا، والمتاجرة بهم وتحويلهم إلى مادة ابتزاز ومساومة في كل الاتجاهات، على أمل العودة إلى تكريس غلبة دائمة مستقبلياً.
في هذا الوقت على لبنان التعايش الصعب والمؤلم، مع مشكلة النازحين المتفاقمة، والتي لا يعرف احد كيف ومتى الخروج منها.
المدن