سعت بريطانيا الجمعة لطي صفحة الخلاف مع فرنسا بشأن صفقة الغواصات مع استراليا التي اعتبرتها باريس بمثابة "طعنة في الظهر".
فقد أثار الأسبوع الماضي تخلي أستراليا عن صفقة ضخمة لشراء غواصات تعمل بالديزل من فرنسا لصالح غواصات أميركية تعمل بالطاقة النووية غضب الرئيس ايمانويل ماكرون، خاصة وانه تم التوصل الى الاتفاق من خلال محادثات سرية سهلتها بريطانيا.
والجمعة تواصل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هاتفيا بعد اتهام باريس حليفتيها لندن وواشنطن بأنهما "غدرتا" بها ووصفها لندن بأنها "شريك الصغير" لواشنطن.
واتفق جونسون وماكرون الجمعة على "مواصلة العمل معا بشكل وثيق ... في جميع أنحاء العالم على جدول أعمالنا المشترك، من خلال الناتو وعلى الصعيد الثنائي".
كما أشارا إلى "الأهمية الاستراتيجية" للتعاون البريطاني الفرنسي في منطقة المحيطين الهندي والهادي وفي إفريقيا.
واتفقا ايضا على "تكثيف التعاون" ضد مهربي البشر عبر قناة المانش، والبقاء على اتصال بشأن تراخيص صيد الأسماك بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والترتيبات التجارية في إيرلندا الشمالية.
تشكل صفقة الغواصات حجر الزاوية لتحالف استراتيجي جديد يضم أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة يُعرف باسم "أوكوس" ويُنظر إليه على أنه محاولة للتصدي لتطلعات الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادي.
لكن بقيت فرنسا وآخرين في حلف شمال الأطلسي خارج هذا التحالف، على الرغم من أن ثلاثي "أوكوس" شدد على أن الحلف ليس من المفترض أن يكون إقصائيا.
وفي وصف مقتضب لمكالمة جونسون، قال مكتب ماكرون إن رئيس الوزراء عرض "إعادة التأسيس للتعاون" وأن الرئيس الفرنسي "ينتظر مقترحاته".
وكان ماكرون أكثر مرونة بعد محادثات هاتفية الأربعاء مع الرئيس الأميركي جو بايدن.
ووفقا لبيان مشترك، تعهد ماكرون وبايدن بعقد لقاء نهاية تشرين الأول/أكتوبر قبل قمة الأمم المتحدة للمناخ باسكوتلندا.
وجاء في بيان لداونينغ ستريت أن جونسون "يتطلع الى استقبال الرئيس ماكرون في غلاسكو في تشرين الثاني/نوفمبر لحضور كوب 26"، حيث اتفق كلاهما على الحاجة الى إجراءات مناخية أقوى.
صدمة فرنسية
خلال اجتماع لمجموعة "إي 12" الأمنية الأوروبية التي تضم بريطانيا، اعتبرت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي أن الاعلان عن تحالف "أوكوس" شكل "صدمة".
وقالت للصحافيين في استوكهولم حيث يعقد الاجتماع "نحن نتوقع تقديم ايضاحات ليس فقط من عضو في إي 12 لكن ايضا من بلد اوروبي وحليف".
وأدى الغضب الفرنسي من صفقة الغواصات إلى استدعاء ماكرون سفيريه لدى واشنطن وكانبيرا في احتجاج دبلوماسي غير مسبوق.
لكن المبعوثة الفرنسية في لندن لم تغادر، ووصف وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمان بون لندن بأنها مجرد "عجلة ثالثة" في الصفقة.
وهذا الأسبوع ناشد جونسون فرنسا بمزيج من كلمات فرنسية وانكليزية قائلا "أعطوني فرصة"، ودعا باريس الى الهدوء وإلى أن "تتمالك نفسها"
وأدى خلاف صفقة الغواصات الى تدهور العلاقات بين باريس ولندن إلى أدنى مستوياتها منذ استفتاء بريطانيا عام 2016 على مغادرة الاتحاد الأوروبي.
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أثار العديد من الخلافات بين البلدين، لا سيما حول حقوق الصيد، والتجارة بين بريطانيا وايرلندا الشمالية، وهو ما برز خلال اجتماع مجموعة السبع في حزيران/يونيو.
كما كان تدفق المهاجرين مصدر توتر كبير بين باريس ولندن، حيث اتهم سياسيون بريطانيون الفرنسيين بعدم فعل ما ينبغي لوقف قوارب المهاجرين عبر قناة المانش.
واعتبر خبراء إنه لا تزال هناك رغبة لدى الجانبين بمواصلة التعاون الوثيق في الشؤون الدفاعية.
وقال هانز كونداني وأليس بيون غالاند المحللان في معهد تشاتام هاوس للسياسات إن صفقة الغواصات "ولدت غضبا مشروعا في فرنسا ووجهت بوضوح ضربة خطيرة للثقة والتعاون بين فرنسا والمملكة المتحدة، في علاقة هي متوترة اصلا بسبب سنوات من النزاعات التي أعقبت تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي".
وأضافا أن "الواقع هو أن البلدين يشتركان في مجموعة مماثلة من المصالح في منطقة المحيطين الهندي والهادي وخارجها، وسيحتاجان الى إيجاد سبل للتغلب على التوترات الحالية".
أ ف ب