الإعلام العربي: بين الشعبوية والوعي المسؤول في زمن الأزمات

"لا يجوز أن نتقمص الأسئلة الإسرائيلية"، عبارة سمعتها على لسان صحفي أردني يوجهها للمذيعة في قناة العربية رشا نبيل، وقد احتفل بها وتداولها فريق الإعلام الشعبوي الهابط!

يبدو أن هؤلاء المتذاكين قد اُستنفدت لديهم معطيات المنطق السليم في طرح القضايا، فلم يجدوا منطقاً معقولاً يدعم رأيهم ومواقفهم، غير الاعتماد على مخالفة كل ما يطرحه الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولة قمع كل من يطرح فكرة أو وصفاً قد تناوله الاحتلال، بفزاعة التشابه مع الاحتلال!

فإذا استغل الاحتلال عملية إطلاق صواريخ من منطقة سكنية، وقال إنه رد على عملية الإطلاق بقصف المنطقة السكنية، بمقياسهم علينا أن نصمت وننكر خروج الصواريخ من منطقة سكنية رغم أننا نعلم بأن كل غزة ممتلئة حتى آخر شبر فيها بالمساكن!

في الحقيقة ومن باب المسؤولية من واجبنا أن نعلن رفضنا لاستخدام المناطق السكنية بل واستخدام كل شبر في غزة كجبهة قتال، لأنها ببساطة لا تصلح للقتال، لا كجغرافيا ولا بمكوناتها الديمغرافية ومواردها الشحيحة، ولا بحالتها الجيوسياسية.

الموقف المسؤول هذا لا يعني أبدا بأنه تساوق مع الاحتلال، وإن كان الاحتلال يردد بأن حمــاس تستخدم المناطق المدنية في القتال.

هنا تماما كما نقول بأن الاحتلال يقتل أسراه ولا يكترث بحياتهم بل ويتعمد قتلهم والتخلص منهم، ثم نرى مئات الآلاف من الإسرائيليين يخرجون إلى الشوارع ويرددون نفس خطابنا تجاه قادته، هل قال لهم أحد بأنهم يتقمصون الخطاب الفلسطيني! لربما فقط الإرهابي بن غفير وزميله سموتريتش، لذلك هو أسلوب السفهاء الإرهابيين في قمع خصومهم من أصحاب الرأي الآخر.

وهناك مصطلحات من الواضح أنها قد قسمت المشاهدين لفريقين، أحدهما يطعن بوصف قناة كالعربية وغيرها من قنوات لقتلانا من المدنيين بـ"الضحايا"، ويمجد بتوصيفهم "شهداء" على لسان قنوات أخرى ومعظم القنوات الفلسطينية.

في الحقيقة من يريد نصرة شعبنا وطرح مأساته أمام العالم على حقيقتها بكوننا شعب أعزل يتعرض للإبادة ويستحق الحماية، عليه تسمية ما يحصل بنا باسمه الصحيح، فالمدنيون القتلى والجرحى والمكلومون من شعبنا هم ضحايا إجرام الاحتلال، فالطفل ضحية والشيخ ضحية والمرأة ضحية ومن يقتل في بيته وفراشه ضحية، ولا مانع من وصف من يقتل وهو يقاتل بشهيد، فمصطلح الشهادة فيه تمجيد للموت في سبيل الله والوطن، ولا يمكن بل ومن غير الأخلاقي أن نمجد بمقتل طفل أو امرأة أو أعزل لا في سبيل الله ولا في سبيل الوطن، فلا الله سبحانه وتعالى، ولا الوطن يرضى بذلك، ولكن للأسف يبدو أن حجم الإرث الثقافي الذي تحمله شعوبنا العربية أكبر بكثير من استيعاب تلك المعادلة، ولا يزال مجتمعنا يبحث عما يعوض فيه خسائره الفادحة بأرواح أبنائه وأحبائه بتصنيفهم على أنهم شهداء. المثير للأسى أنه في الحقيقة هذا تعويض وهمي يسكن الجروح ويخدر العقل، ويؤخر البحث عن علاج حقيقي يضع حداً للمآسي التي طالت.

لذلك على المشاهد الناضج فكريا أن ينتبه إلى أن هناك إعلاماً يبحث عن الشعبوية، وعما يطلبه المشاهدون، ويمارس بيع الوهم والتخدير لصالح التغطية على عجز ما، أو خدمة لمصالح متنفذين يتحكمون به، وهناك إعلام يقود نهضة فكرية تسعى لاختصار الطريق الذي ينهي أو يحد على الأقل من مآسي وآلام مجتمعنا العربي.

hguvfdm

يقرأون الآن