البحث عن حزب الله

صدمات متتالية يتلقاها حزب الله على اختلاف المكان في لبنان، بدءًا من الطائرات المسيرة، فالنفاثة، ثم التكنولوجيا التي أوجزت في وقت محدود نصاً مادياً قاسياً على الحزب، عبر معادلات حديثة ومستحدثة، كسرت لعبة الاستعراض عبر حروب الظل، التي لم يتسلح فيها أو لها حزب الله، الذي تاه في الهروب من تكنولوجيا العصر عبر استحضار عناصر الحرب القديمة التي انطلقت على مدار سنوات طويلة بمسمى منظومة الاتصالات الخاصة بحزب الله، والتي توهم الحزب أنها الساتر الأمني العصي على الكسر الذي يحميه ويحمي النخبة، حتى إذا سقطت النخبة صيداً ثميناً سقطت فلسفة السنوات الماضية، فالحزب يبحث عن الحزب، والجمهور يبحث عن الوعود الكثيرة التي أطلقها زعيم الحزب.

كثيرون بانتظار الاجتياح البري للحدود اللبنانية، وهذا غالباً لن يكون لأن إسرائيل لا تريد أن تجد نفسها أمام فخ الاحتلال لدولة مجاورة، ولا تريد تكرار خطأ اتفاق 17 أيار/ مايو الذي تم توقيعه عام 1983 بعد الاجتياح الإسرائيلي لـ لبنان بحوالي السنة، بغية إقفال ملف الحرب، ولكنه سقط في مكانه. وبالتالي يمكن لإسرائيل أن تقبل باتفاق يوقف الحرب تقوم بتوقيعه مع حكومة تصريف الأعمال في لبنان، غير أن هذا الموضوع قد لا يسير نحو الحل، خصوصاً إذا ما اعترض حزب الله على ذلك، وقرر السير على خطى السنوار في غزة.

هنا بالضبط إسرائيل قد تلعب على ورقة قرار مجلس الأمن 1701 الصادر بعد حرب تموز 2006 والذي نص على انتشار الجيش اللبناني في الجنوب بمشاركة قوات اليونيفيل، إضافة إلى خلو منطقة جنوب نهر الليطاني من المسلحين، والمقصود بحسب القرار 1701 هم حزب الله وحركة أمل، ولكن القرار لم ينفذه حزب الله، وبالتالي يمكن لإسرائيل المراوغة في استمرار الحرب أو حالة الحرب بدون الاجتياح أو الاشتباك المباشر المعلن، أو الاغتيالات بما يعني أن الحلول السياسية تبقى مقفلة.

أمام معادلة احتمالية استمرار الحرب إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، سيكون المشهد اللبناني يسير وفقاً لمشهد غزة، والاستعصاء القادم في مسألة الحلول السياسية تعطي صورة قاتمة حول المشهد، ولكن ماذا لو ذهبت إسرائيل إلى ضرب البنى التحتية اللبنانية بقوة في عملية تكرار مشهد غزة، وذلك بقصد الضغط على حكومة تصريف الأعمال، فما هو الخيار اللبناني لإيقاف حزب الله خصوصاً وأن لبنان لم يستطع تنفيذ الشق المتعلق بانسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني عبر اتفاق 1701 منذ عام 2006.

فمسألة انتخاب رئيس لبناني لم تتم أمام تعطيل حزب الله لهذا الملف، ومسألة الذهاب باتجاه حكومة عسكرية بإدارة الجيش تحتاج إلى عودة الى البرلمان وذلك وفق دستور 1990 فهل يمكن دعوة البرلمان لتشكيل حكومة عسكرية ما دامت مسألة انتخاب الرئيس معطلة من طرف حزب الله، وهل يمكن أن يمنع حزب الله ذلك كله من خلال منع نوابه من الوصول إلى البرلمان؟

كلها أمور في غاية التعقيد، تشير إلى أن لبنان على خطى غزة، وأن حسن نصر الله على خطى السنوار، وأن الأمور ستبقى مفتوحة الأفق على كل الاحتمالات، وهنا يبقى الدور الإيراني في الملف اللبناني، وما هي تداعيات هذا الدور وتأثيراته على الشارع، كلها أسئلة معقدة، بانتظار إجابات حزب الله الهارب من مواجهة مصلحة لبنان، والهارب من تنفيذ القرارات الدولية التي تسمح بإنهاء ظاهرة الحرب، والهارب أيضاً من مصلحة الشعب اللبناني، الذي أنهكه الفقر، واليوم يدخل دمار الجنوب كملف إضافي يزيد من أزمات لبنان.

في الجانب الدولي، هناك من يرى أن أميركا معنية بإيقاف الحرب قبل موعد الانتخابات، وبالتالي قد تضغط على إسرائيل للتوصل إلى اتفاق، ولكن ثمة رؤية ثانية، مفادها أن الانتخابات الأميركية القادمة غيرت من قواعد اللعبة الداخلية، بعد التداعيات الاقتصادية الناتجة عن حرب أوكرانيا، وبعد السابع من أكتوبر، فقد أصبحت هاتان المسألتان مسائل انتخابية داخلية، فمسألة الاقتصاد والنفقات الأميركية في أوكرانيا من جانب، ومعادلة الأمن القومي الأميركي من جانب آخر، لأن الناخبين من مختلف الحزبين في أميركا يتعاملون مع أمن إسرائيل بأنه ملف أمني يمس أميركا، وبالتالي إن استمرار الحرب في الشرق الأوسط، وفي أوكرانيا إلى وقت مجيء الانتخابات الأميركية، ليس بالضرورة أن يؤثر ذلك على سير الانتخابات، أمام المعادلة الكبرى في ارتباط إيران بالملف الأوكراني، كما ارتبط اسمها في السابع من أكتوبر وأيضاً في الحرب اللبنانية الحالية.

بالتالي، هو حزب الله الذي يهرب من كامل الاستحقاقات المطلوبة منه ويتحمل سيل الأزمات اللبنانية خلال السنوات الماضية ويتحمل وزر الحرب، ويسعى إلى استمرارها بلا جدوى فمن يوقف حزب الله.

العربية

يقرأون الآن