فيما الانظار تتجه نحو مجلس النواب الجديد لانتخاب رئيسه، فجّر تصريح ادلى به النائب جميل السيد من بعبدا قنبلة من العيار الثقيل بقوله ان حكومة تصريف الاعمال لا يمكنها ان ترث صلاحيات رئيس الجمهورية في حال الفراغ الرئاسي. يمكن فهم الرسالة من ناحيتين إما فتح المقايضة او تمهيد لتمديد ولاية رئيس الجمهورية اذا لم تتشكل حكومة مع نهاية العهد. سبق حديث السيد موقف لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل تحدث فيه عن «وجود نية لعدم تشكيل حكومة وتجاوز الدستور باعتبار الحكومة الحالية حكومة تصريف اعمال كاملة الصلاحيات، منبّهاً الى ان ذلك من شأنه ان يسقط الطائف». فمن المقصود ومن له مصلحة في عدم تشكيل حكومة جديدة؟ المؤكد ان ثمة قطبة مخفية في مكان ما تثير التساؤلات حول ما يجري طبخه خلف الكواليس ويتعلق بالحكومة ورئاسة الجمهورية المقبلة.
منذ انتخاب مجلس نيابي جديد واعتبار الحكومة مستقيلة حكماً بموجب الدستور، عبّر البعض عن خشيته من ان تستمر حكومة تصريف الاعمال حتى نهاية العهد في حال فشل الاتفاق على تسمية رئيس مكلف وتشكيل حكومة جديدة.
وكان لافتاً الموقف الذي عبر عنه النائب اللواء جميل السيد من بعبدا وعقب زيارته رئيس الجمهورية ميشال عون وقوله: «لا يجوز ان يسلّم صلاحيات الرئاسة الى حكومة تصريف اعمال في نهاية ولايته، لان صلاحيات الرئاسة ليست من المواضيع التي يشملها تصريف الاعمال ولا يمكن، حسب رأيي، لفخامة الرئيس المغادرة وتسليم صلاحياته الى حكومة تصريف اعمال لا تتمتع بصلاحيات دستورية بنفسها، ولا يمكن لها بالتالي ان ترث الصلاحيات الدستورية لفخامة الرئيس».
إثارة الموضوع من قصر بعبدا ولو من باب «رأي» شخصي لم يلغِ التكهنات بشأنه والتعاطي معه بعيداً عن كونه اشارة للتمديد عشية انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والقول استناداً الى الدستور باستحالة ان تتسلم حكومة تصريف الاعمال صلاحيات رئيس الجمهورية عند انتهاء ولايته. ومثل هذا القول يشير بلا ريب الى وجود عقبات تعترض تشكيل الحكومة لغياب امكانية التفاهم في ظل الانقسامات المستجدة في مجلس النواب، والتي تنذر بتعطيلات متبادلة ما يعني اذا عطلتم تشكيل الحكومة فسنعطل حكماً انتقال الصلاحيات الرئاسية الى حكومة تصريف اعمال، وحينها سيعتبر مجلس النواب الجديد بلا جدوى لانه سيكون مجلساً عاجزاً عن محاسبة حكومة تصريف اعمال بصلاحيات رئاسية. ويعدّ استمرار حكومة تصريف الاعمال حتى نهاية العهد، اذا حصل، سابقة لم يشهدها لبنان في تاريخه لا سيما في حقبة بعد الطائف حيث تشكيل الحكومة بات يجري بعد استشارات نيابية ملزمة يجريها رئيس الجمهورية يكلف على اثرها رئيساً للحكومة.
كلام اللواء السيد قوبل برد من «اوساط» بعبدا نصحته بان «يترك اجتهاداته الدستورية لنفسه لأن رئيس الجمهورية يتقيّد بالدستور الذي أقسم عليه»، ليرد السيد على الرد مستغرباً «لماذا تخشى تلك الأوسا(خ) المزعومة من اظهار نفسها؟».
وبين الرد والرد على الرد تظهّر خلاف جديد الى العلن وبين اهل البيت الواحد ايضاً، لكنه لم يحل دون اعتبار ما قيل بمثابة إطلاق الشرارة الاولى نحو امكانية التمديد لعون، لا سيما وان رئيس الجمهورية لن يقبل بتسليم مهامه الى حكومة مناط بها تصريف الاعمال بمفهومها الضيق بما لا يحتاج الى محاسبتها في مجلس النواب.
إذا فشلت مساعي تشكيل حكومة جديدة واستمرت الازمة الى موعد نهاية ولاية رئيس الجمهورية، وهذا محتمل بالنظر الى الفترة الطويلة التي يستغرقها عادة تشكيل الحكومات في لبنان، فيسجل حينئذ لبنان سابقة بتجيير صلاحيات رئيس الجمهورية الى حكومة اعتبرت حكماً مستقيلة مع انتخاب برلمان بديل عن البرلمان الذي منحها ثقته. قبل الطائف كان رئيس الجمهورية هو الذي يختار رئيس الحكومة ويشكل بالتعاون معه الحكومة، اما بعد الطائف فتكليف الرئيس يكون بموجب استشارات نيابية ملزمة يجريها رئيس الجمهورية ويشكلان معاً الحكومة. لم يسبق ان انتهى اي عهد في ظل حكومة تصريف الاعمال، بل كانت الحكومات اصيلة. كحكومة فؤاد السنيورة بعد ولاية الرئيس أميل لحود، وتمام سلام لاحقاً بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، وفي ظل حكومات بكامل صلاحياتها ومجلس نيابي قائم وله ان يحاسبها.
يوضح اللواء السيد ان المقصد من موقفه التنبيه الى ضرورة تشكيل حكومة لاستحالة استمرار حكومة تصريف الاعمال حتى نهاية العهد. من الناحية الدستورية يقول اللواء السيد: «تعتبر الحكومة مستقيلة لمجرد انتخاب مجلس نيابي جديد والحكومة المستقيلة هي حكومة ميتة دستورياً، الا من خلال تصريف اعمال بحده الادنى ولذا لا يحق لحكومة تصريف الاعمال تسلم صلاحيات رئيس الجمهورية، وهي اصلاً حكومة تصريف اعمال محدودة الصلاحيات». وردّاً على سؤال ينفي السيد ان يكون كلامه قد ورد في معرض التمهيد لتمديد ولاية الرئيس عون او لرغبة من رئيس الجمهورية في عدم تسليم مهامه، وقال ان المطلوب من هذا الكلام التفكير وفق الدستور من حيث وجوب تشكيل حكومة من اجل رعاية مصالح الناس اولاً، ولان البلد لا يحتمل الفراغ ولوجود الاستحقاق الرئاسي على الابواب. ولذا حاولت ان اطرح حلاً لمشكلة قادمة وليس مشكلة لحل قادم، معتبراً ان الحديث عن تسلم حكومة تصريف الاعمال صلاحيات رئيس الجمهورية حرتقات «وهل يمكن لميت ان يرث ميتاً»، مقترحاً ان يصار الى اعادة منح الثقة للحكومة الحالية كي تستمر حتى آخر العهد. واضاف: «من واجب التركيبة السياسية ان تشكل حكومة والا انتهى دور مجلس النواب لصعوبة قيامه بدوره ومحاسبة حكومة تصريف الاعمال لكونها مستقيلة.
سواء كان رأياً شخصياً ام رسالة، فإن ما قيل يعكس وجود مخاوف لدى العهد و»التيار الوطني الحر» من تحوّل حكومة تصريف اعمال الى حكومة مع صلاحيات موسعة، وهو ما سعى العهد والتيار الى تطويق مفاعيله بقطع الطريق على امكانية اقرار مزيد من القرارات المهمة بعد تمرير خطة التعافي الاقتصادي، وقد يكون سحب وزير الطاقة والمياه وليد فياض الملفين المتعلقين بالكهرباء من جلسة مجلس الوزراء هدفه قطع الطريق على ميقاتي، لمحاولته اقرار بعض الشؤون المهمة في آخر جلسة وزارية بما يسمح لحكومة تصريف الاعمال الاستمرار في تنفيذها. معطوف على ما تقدم تصريح للسفير السعودي وليد البخاري الذي «زفّ للمفتي حسن خالد نتائج الانتخابات المشرّفة وسقوط كل رموز الغدر والخيانة وصناعة الموت والكراهية»، ما يثبت لبعض الجهات السياسية مخاوفها من محاولة لتحويل حكومة ميقاتي الى حكومة امر واقع بصلاحيات رئاسة الجمهورية، بمباركة فرنسية وسعودية مبطنة في محاولة للاخلال بالتوازنات؟
غادة حلاوي - نداء الوطن