لم يتسنّ للبنان أن يكون «متفرّجاً» على الحدَث الدامي الذي تمثّل في الهجوم بسكين على الكاتب البريطاني سلمان رشدي في الولايات المتحدة... فلم يكن بعد مسرح الحادث هدأ ولا انكشف مصير صاحب كتاب «آيات شيطانية» المُطارَد بفتوى «هدر دم» من الإمام الخميني عمرها 33 عاماً، حتى صارت «بلاد الأرز» في عين العاصفة التي تَداخل فيها الإنساني بالسياسي والديني وأُعطيتْ عالمياً طابعاً يتصل بحرية التعبير ومحاربة الظلامية.
فالطعنات التي تلقاها رشدي في نيويورك، سرعان ما تردّد صداها في لبنان الذي تفاجأ بأن منفّذ الاعتداء من جذور لبنانية، لتنطلق التحرّيات عن «أصله وفصله»، ويقفز «تَقَفي آثار» ابن الـ 24 عاماً إلى ما وراء «الشجرة العائلية» ومنبعها جنوب لبنان، نحو التشظيات السياسية «الثقيلة» المحتملة بحال تَبَيَّن أن الهجوم أبعد من «انتقامٍ منفرد» وأنه منظّم، أو أن هادي مطر منتظم حزبياً في الاتجاه الذي عبّرت عنه صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي التي أظهرت أنه من مناصري «حزب الله» وإيران وحرسها الثوري.
وفيما كان المجتمع الافتراضي بمختلف منصاته يضجّ بمفارقاتٍ «مُبْكية» عن «لبنان في نيويورك»، من بصمةٍ تاريخية مُشْرِقة تَرَكها العربي الوحيد الذي شارك في وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (شارك مالك)، إلى وصمةٍ مُظْلمة بربْطه عبر هادي مطر باستهداف كاتبٍ تحوّل رمزاً للحرية والنضال ومحاربة الاضطهاد، تراكمتْ الأسئلة حول «الندوب» السياسية التي يُخشى أن يخلّفها هذا الحَدَث في ضوء ما ستذهب إليه التحقيقات الأميركية، في الوقت الذي لا يحتمل الوطن «المنكوب مالياً» والذي بات «خارج العالم» تدمير آخِر ما بقي له من صورته كبلدٍ يحمل قِيَماً إنسانية ترتكز على التسامح والتعايش والحرية التي... «يتنفّسها».
وإذ نأى «حزب الله» بنفسه عن اعتداء نيويورك حيث أبلغ مسؤول فيه «رويترز» أن «ليست لدينا معلومات إضافية عن حادث الطعن الذي تعرضه له سلمان رشدي»، معلناً «لا نعلم شيئاً عن هذا الموضوع وبالتالي لن يصدر عنّا أي تعليق»، جرى التداول بمقطع صوتي على مواقع التواصل للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله يقول فيه «لو قام بعض المسلمين، وكلنا مقصّر في هذا الأمر - والآن سيقولون عنا إرهابيين فليقولوا ونحن(مخلّصين)من هذا الموضوع – لو قام مسلم ونفّذ فتوى الإمام الخميني بالمرتدّ سلمان رشدي لما تجرأ هؤلاء السفلة من أن ينالوا من رسول الله لا في الدنمارك ولا في النروج ولا في فرنسا».
وفي حين لم يُذكر تاريخ هذا المقطع، إلا أن بحثاً عبر الموقع الرسمي لـ «المقاومة الإسلامية - لبنان» يُظهر أنه كان من خطاب في الليلة الثانية من عاشوراء في فبراير 2006 في معرض تعليق نصرالله على كاريكاتور مسيئ للرسول (صلى الله عليه وسلم) في إحدى الصحف الدنماركية وعادت صحف نروجية وقامت بنشره وسط ضجة في العالم الإسلامي.
وقد بدأ الأمين العام المقطع الذي تحدّث فيه عن تنفيذ الفتوى بحق رشدي بتأكيد «أن المشكلة بدأت من يوم كتب سلمان رشدي آيات شيطانية».
في موازاة ذلك، وفيما نُقل عن مصادر أمنية لبنانية أن «واشنطن لم تتواصل معنا للحصول على بيانات المشتبه به» في الهجوم، تحوّلت بلدة يارون الجنوبية (قضاء بنت جبيل)، التي تبعد عن بيروت نحو 125 كيلومتراً وترتفع نحو 800 متر عن سطح البحر محط الأنظار كونها مسقط مطر وعائلته.
وقد أكد رئيس البلدية علي قاسم تحفة لـ «الراي»، أن هادي مطر ابنٌ لعائلة من يارون «لكنه مولود ويعيش في الولايات المتحدة»، مشيراً إلى أن والد هادي مازال مقيماً في البلدة «لكنه مُقِلّ في علاقاته الاجتماعية، فقلّة تعرفه، أما والدته ففي الولايات المتحدة».
ولم يشأ رئيس البلدية تأكيد ورود اسم هادي على لوائح الشطب أو عدمه «فاليوم عطلة والبلدية مقفلة ولم يُتح لنا مراجعة لوائح الشطب»، مشككاً في المعلومات عن أن هادي سبق أن زار لبنان «وربما يكون الأمر حصل يوم كان طفلاً صغيراً».
وقال تحفة لـ «الراي»: «تفاجأنا بما حدث ولم نعرف بالأمر إلا عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل»، كاشفاً «أن مخابرات الجيش اللبناني (مكتب تبنين) تواصلت معنا في إطار متابعة الأمر».
وكان نُقل عن تحفة في تصريحات لوسائل إعلام أن «أهالي البلدة يتابعون الأخبار عبر وسائل الإعلام، ولا أحد منهم على معرفة بالشاب هادي مطر وأن والده ووالدته منفصلان»، في حين أوردت قناة «الجديد» أن مطر (والده حسن ووالدته سيلفانا فردوس) «يحمل الجنسية اللبنانية وموجود على لوائح الشطب وسبق له أن زار لبنان».
ونقلت القناة أن والدة هادي «اتصلت بأقاربها طالبة منهم عدم التصريح بأي معلومة، لأن وضع هادي حساس جداً في القضية»، مشيرة إلى أن ابنها «استُفز من إساءة رشدي للإسلام أثناء المحاضرة ليقوم بطعنه على الفور»، علماً أن حادثة الطعن وقعت قبل بدء المحاضرة.
الراي الكويتية