هل يفتح تعثر التعديل الدستوري أبواب قصر بعبدا أمام جهاد أزعور؟

ربما يعود بقوة على رأس قائمة المرشحين لرئاسة الجمهورية، بجمع 65 صوتاً وما يزيد، الدكتور جهاد أزعور، وزير المال الأسبق ومدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، في ظل امتناع الثنائي (“أمل” – “حزب الله”) عن تأييد قائد الجيش العماد جوزيف عون – الذي يحظى بدعم دولي وإقليمي كبيرين – ما يعيق العماد عون – إلى الآن – عن تحقيق الأصوات اللازمة لتعديل الدستور (86 صوتاً). لذلك كانت الإضاءة واجبة على مرشح محتمل – ما دامت العقبة الدستورية قائمة – بناء على اتصالات مع شخصيات واكبته في مسيرتيه السياسية والمهنية.

واللافت أن اسم أزعور ظهر للمرة الأولى كمرشح رئاسي من خلال مبادرة حملها الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري. ولكن مع ارتفاع حظوظه آنذاك انطلقت حملة مبرمجة ضده في وسائل إعلام لبنانية تستهدف حرقه سياسياً ورئاسياً موضوعها: إنه مرشح جبران باسيل رئيس “التيار الوطني الحر”، وإنه التقى مسؤولين من ميليشيا “حزب الله” وقدم لهم الوعود والضمانات بأنه سيكون طوع أيديهم. وبعد اعتماده مرشحاً للتقاطع المسيحي في حزيران 2023 اتهمه إعلام الممانعة بأنه “بشير الجميل” الثاني!

تحدث كثر في تلك الحملات إلا صاحب الشأن نفسه، أي أزعور الذي يمنعه منصبه الدولي من التحدث في الشأن السياسي اللبناني المحلي، وربما كان هذا سبب نجاح الحملة. أزعور لم يرشح نفسه للرئاسة، بل رشحه غيره، وفوق ذلك – وفق أوساط قريبة منه – لم يقم هو في تلك المرحلة بأي اتصال سياسي بأيّ فريق لبناني، ومن ضمن هذه الفئة مَن رشحوه، لكنه كان بحكم منصبه الدولي يجتمع مع شخصيات رسمية لبنانية على الدوام.

ووفق الأوساط نفسها، لا توجد أي علاقة مباشرة بين أزعور و”التيار الوطني الحر”، والحديث عن شراكة بين شقيق أزعور والوزير جبران باسيل لا يقوم على منطق، فالذمة المالية لجهاد أزعور مستقلة عن ذمّة شقيقه ولا توجد بينهما أي شراكة في الداخل أو الخارج، كما أن المرء مسؤول عن أفعاله وخياراته وليس عن أفعال الأشقاء وبنات العم وأولاد الخال بصرف النظر عن طبيعتها، أكانت جيدة أم لا.

الأهم في هذه النقطة، أن أزعور في مسيرته السياسية ومواقفه مؤمن ثابت باستقلال لبنان وليبراليته سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، غير أنه لم ينضم إلى حزب في حياته، ومثله الأعلى في السياسة هو عميد حزب “الكتلة الوطنية” الراحل ريمون إده، لكن السياسي المحبّ لإده يندهش حين يقارنه عارفوه بالياس سركيس.

لا يعرف كثيرون أن خال أزعور هو الوزير والنائب الشهير الراحل جان عبيد، تلك القرابة جعلت له مكانة خاصة عند أصدقاء خاله كالرئيس نبيه بري والزعيم وليد جنبلاط، وجلبت له في الوقت نفسه خصومات الخال، الذي جمعته به قرابة الدم لكن فرقتهما السياسة زمن المثاليات ومطالع الشباب، إذ كانت أبعد شخصية سياسية بالنسبة إلى أزعور هي وزير المال فؤاد السنيورة، لكن خاله قال له: “إنه ليس كما تتصور وليس كما تسمع، تعرف عليه واحكم بنفسك”.

لاحقاً سيقوم أزعور بأبحاث تتّصل بالاقتصادات الصاعدة واندماجها في الاقتصاد العالميّ في جامعة “هارفرد”. وأتى به جورج قرم إلى وزارة المال حين كان وزيراً للمال (1998-2000)، فكان مديراً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في الوزارة. وبعد عودة الرئيس (الشهيد) رفيق الحريري إلى رئاسة الحكومة عام 2000 وتعيين فؤاد السنيورة وزيراً للمال بقي أزعور في منصبه وتعرف إليه. لذلك بعد تسمية السنيورة رئيساً للحكومة اختار أزعور وزيراً للمال (2005-2008)، فكانت المرّة الأولى التي يخرج فيها الرجل إلى دائرة الضوء، رغم أنّه ليس رجل أضواء.

اكتشف أزعور أن خاله كان على حق في كلامه على السنيورة، وبسبب نزاهة الحكومة وكفاءتها مالياً واقتصادياً، وبفعل خبرة أزعور السابقة مع الأمم المتحدة (إدارة مشاريعها في لبنان) وتأسيسه العلمي المتين، وخبراته العملية الناجحة ونظافة كفه المشهودة، كان انتقاله طبيعياً إلى صندوق النقد الدولي.

أزعور الذي كان وزيراً في الحكومة الأشد تمسكاً بسيادة لبنان في تاريخه، أو بعد اتفاق الطائف على الأقل، يرى المتحمسون لانتخابه أن ترشيحه يستند إلى احترامه للدستور وتمسكه به ورفضه البدع التي دمرت مضمونه وغايته، وتقديس سيادة لبنان واستقلاله وعروبته وسلامة أراضيه وشعبه ووحدتهما، وهو معروف بأنه لا يقبل التنازل عن مبادئه من أجل المناصب، ولا يخلف وعده، ويرى أن جوهر دور رئيس الجمهورية وجوهر فكرة التوافق هو تقديم الدستور والقوانين على الهوى الشخصي والرأي السياسي، ورجل بهذه المواصفات يندر أن يصبح رئيساً إلا في ظروف إستثنائية. إنه من البقية الباقية من 14 آذار، مستقل، صلب، سياديّ، عروبي، عالم، معتدل، يحترم مقام رئيس الحكومة ولا ينظر إليه بكيدية، يبغض الطائفية والفساد، يؤمن بثلاثية “الدستور – الشعب – الجيش” وبحق الدولة الحصري في اتخاذ قراري السلم والحرب وامتلاك قوة الإكراه المشروع ، يتابع الشأن السياسي بتفاصيله على مستوى الشرق الأوسط وامتداداته الدولية، وأساس عمله في صندوق النقد مساعدة الدول المنهارة مالياً واقتصادياً في استعادة عافيتها. ولأن لبنان يحتاج إلى شخصية كهذه في هذه المرحلة الصعبة من تاريخه كان طبيعياً أن يعرقله كثيرون من القريبين والبعيدين. ولكن ربما يساعده الظرف السياسي الراهن، فلبنان خرج للتو من حرب مدمرة، وأزعور كان عنصراً فاعلاً في الحكومة التي أعادت الإعمار بنجاح ونزاهة بعد حرب 2006، ويضيف المتحمسون لانتخابه: ان رئاسة أزعور بالمعنى السياسي هي الانتصار الحقيقي لاتفاق الطائف ولقواعد اللعبة الديموقراطية.

ينطلق ترشيح العماد جوزيف عون استناداً الى خبرته الأمنية والعسكرية – وسمعته الحسنة محلياً ودولياً وصفاته الشخصية الرفيعة – وهو في ذلك لا يضاهيه أحد من المرشحين، ويخدمه اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل كظرف سياسي داعم، وبهذا المعنى لا منافس له، وربما كانت خبرته الأمنية والعسكرية هي سبب رفض الثنائي الشيعي لانتخابه أو تزكيته، بينما جهاد أزعور هو المرشح الوحيد – وفق المتحمسين لانتخابه – الذي تحظى رؤيته الاقتصادية باحترام دولي وتقوم على تمكين المودعين اللبنانيين من حقوقهم وأموالهم، وربما كانت تلك هي ورقته الرابحة، وفي كل الأحوال فإن انتخابات الرئاسة في لبنان – تاريخياً – حافلة بالتقلبات والمفاجآت وعلى رأسها زوال العقبات أمام التعديل الدستوري.

يقرأون الآن