يتكرر السيناريو كثيرًا، وفى كل مرة تكون نفس النتائج السلبية، دون بذل أى جهود لإدخال عناصر جديدة يمكنها تغيير المخرجات، وكأن الأمر أصبح محسومًا. عقب أى هجوم إرهابى يقع فى الغرب، تزداد جرائم الكراهية ضد الجاليات المسلمة، وترتفع بصورة خطيرة جرائم معاداة الإسلام والمسلمين. لا يتوقف كثيرون، بمن فيهم سياسيون غربيون، عند تفاصيل ما جرى، ولا ينتظرون حتى اتضاح الأمر ودوافع الإرهابى، لأن التهم جاهزة، والحادث جاء لتأكيدها فقط. المسلمون أيضًا يكررون نفس ردود أفعالهم دون تجديد.. فقط، يُدينون ويؤكدون أن الإرهاب لا علاقة له بالإسلام.
فى احتفالات رأس السنة بمدينة نيو أورليانز، ارتكب مواطن أمريكى خدم فى الجيش، ويدعى شمس الدين جبار، عملية دهس أودت بحياة 14 شخصًا وإصابة العشرات.
فى بداية الأمر، لم يأخذ الإعلام وقيادات أمريكية رفيعة فى الاعتبار سوى الاسم، ليكون ذخيرة فى شن هجوم كاسح على كل ما يمت للمسلمين والإسلام بصلة. «ترامب» خرج قائلًا: «عندما قلت إن المجرمين القادمين إلى البلاد أسوأ بكثير من المجرمين الموجودين فيها، اتضح أننى كنت على حق». لم يكن ذلك صحيحًا على الإطلاق. مرتكب العمل أمريكى مولود فى هيوستن أكبر مدن ولاية تكساس، وجرى إرساله إلى أفغانستان، وحصل على عدة أوسمة بينها ميدالية الخدمة فى الحرب العالمية على الإرهاب. مكتب التحقيقات الفيدرالى قال فى بداية الأمر إنه يعتقد أن للإرهابى شركاء آخرين بعد أن تم العثور على راية تنظيم داعش فى السيارة المستخدمة فى الدهس. تبين لاحقًا أنه عمل بمفرده.
هل غيرت تلك الوقائع شيئًا؟ على الإطلاق. جرى تصوير «جبار» باعتباره ممثلًا لكل المسلمين، رغم أن المنظمات المسلمة فى أمريكا، خاصة فى هيوستن، سارعت بإدانة الحادث المروع، ورغم أن طالبًا جامعيًا مسلمًا يُدعى كريم بدوى لقى مصرعه فيه. السيئة هنا تَعُم جميع من ينتمى للإسلام، أما الحسنة فلصاحبها فقط. أحد المسلمين فى هيوستن قال: «ينبغى ألا يتعرض أى مسلم لإهالة القطران (الزفت) عليه لمجرد أن رجلًا واحدًا ارتكب جريمة بشعة كتلك التى وقعت». من شدة خوفهم، تمنى المسلمون ألا يكون القاتل من المنطقة التى يعيشون فيها، حيث سيتم وصمها ووصمهم بالإرهاب.
المؤلم أن الحادث جاء بينما يعانى مسلمو أمريكا من تداعيات العدوان الإسرائيلى الوحشى على غزة، وما تفعله الدعاية الإسرائيلية على الأرض الأمريكية. مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية «كير» ذكر أن معاداة الإسلام أو «الإسلاموفوبيا» شهدت ارتفاعًا صاروخيًا منذ هجمات حماس فى 7 أكتوبر 2023 وما تلاها من عدوان وحشى إسرائيلى. بلغ عدد الشكاوى من مسلمين ومسلمات 3578 شكوى، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2024، بزيادة قدرها 178٪ عن نفس الفترة من عام 2023، تتضمن الشكاوى التمييز فى أماكن العمل، وحوادث كراهية فى المدارس، وحالات خلع إجبارى للحجاب. الحادث الأبشع كان فى يونيو الماضى، عندما حاولت أمريكية إغراق طفل مسلم (3 سنوات) فى حمام سباحة فى دالاس.
فى ألمانيا، عندما وقع حادث الدهس الإرهابى فى سوق عيد الميلاد بمدينة ماجدبيورج الشهر الماضى، لم يتوقف كثيرون عند كون المجرم، الذى يحمل اسمًا عربيًا، يفاخر بمعتقدات معادية للإسلام. السهام توجهت مباشرة للمسلمين والإسلام. تصريحات معادية وتغريدات وبوستات عنصرية تمييزية على مواقع التواصل تتحدث عن أن المشكلة فى الدين نفسه ومن ينتمون إليه. العقل الغربى يمقت التعميم ويحلل الظواهر والأحداث بدم بارد، ويهتم كثيرًا بالتفاصيل إلا عند التعامل مع المسلمين. عندها يكون القفز على الواقع واستخلاص نتائج عامة شديدة السلبية هو النتيجة المنطقية. حتى سنوات قليلة مضت كان المسلم عندما يرتكب عملًا عنيفًا يتم نعته بالإرهابى. أما إذا ارتكب المواطن الغربى الأبيض نفس العمل فهو قاتل أو متطرف أو راديكالى لكنه ليس إرهابيًا. لم يكن يتم التطرق لديانة الغربى بل لظروفه الاجتماعية والمادية.
مع تصاعد حوادث القتل الجماعى التى يرتكبها غربيون، اضطر المسؤولون وجهات التحقيق والإعلام فى الغرب إلى نعت المتورطين بالإرهاب.
الجاليات المسلمة تتحمل جزءًا من المسؤولية عن بقاء الصورة النمطية للإسلام والمسلمين. عندما يقع حادث إرهابى يرتكبه مسلم تسارع بإدانته والتأكيد على أنه لا يمثل الإسلام. ليس هناك تواصل حقيقى ومد جسور مع المواطنين الغربيين والإعلام. هناك تقوقع على الذات. ليس هناك «لوبى» حقيقى يدافع ويُفند ويضغط.. وإذا وُجد فإنه يعمل لصالح حكومات معينة وليس للقضايا العربية أو الإسلامية عمومًا. ليس غريبًا أن تظل صورتنا النمطية كما تصورها هوليوود دون تغيير.
المصري اليوم