إشارات واشنطن وطهران لبدء المفاوضات قريبا

لا يسيطر على الجدل السياسي داخل إيران سوى الحديث عن المفاوضات مع واشنطن، وكأن هناك تأهيلاً للرأي العام بضرورة الوصول إلى تفاهمات معها، وهو أيضاً ما يسيطر على الإعلام الإيراني بتصنيفاته المتشدد والإصلاحي والمعتدل، ويسود الجدل وكأن هناك صراعاً بين وجهات النظر المختلفة، سواء المشجعة على التفاوض مع واشنطن في ظل إدارة دونالد ترمب أو الرافضة لتلك المفاوضات.

تستمر تلك اللعبة المزدوجة داخل إيران على رغم أن الإشارات بالموافقة على مسار المفاوضات صدرت عن الطرفين، ففي إيران إلى جانب تصريحات وزير الخارجية عباس عراقجي عن ضرورة تجنب ترمب لسياسة الضغط الأقصى، وتصريحات جواد ظريف حول التفاوض مع ترمب والتبرؤ من عملية "طوفان الأقصى" والتصريح بأن طهران وواشنطن كانتا على وشك التفاوض المباشر لكن أوقفت عملية حركة "حماس" كل المسار، لكن الأهم من ذلك كان تصريح المرشد الإيراني أخيراً حول تحذير المسؤولين الإيرانيين أن ينتبهوا إلى ما سماها "الروح الشريرة والخبيثة والعداوات والأحقاد التي تكمن وراء الابتسامات السياسية"، مما يعني السماح بالمفاوضات وليس حظرها مع الانتباه والحذر. وهو ضوء أخضر لحكومة بزشكيان للتفاوض مع واشنطن على غرار منح ضوء أخضر لحكومة حسن روحاني سابقاً للتفاوض مع إدارة باراك أوباما، أي إن خامنئي أعطى تحذيرات وتوجيهات لا يمكن تفسيرها على أنها تمنع التفاوض مع إدارة ترمب.

والأهم جاءت إشارة أخرى من إدارة ترمب، بامتناع واشنطن عن إدانة إيران في ما يتعلق بملف حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، مما اعتبرته طهران كذلك إشارة أميركية إلى الاستعداد للتفاوض والتفاهم.

أما على مستوى الإعلام داخلياً، فتستمر لعبة الرفض والتشجيع بين المتشددين والمحافظين على رغم أن القول الفصل جاء من المرشد الإيراني، فقد تناولت وسائل الإعلام المتشددة قضية المفاوضات الإيرانية- الأميركية، ويرى بعض الأصوليين ووسائل الإعلام أن حكومة بزشكيان تحاول وضع إيران في حال من التحدي من خلال إثارة قضية التفاوض مع إدارة ترمب، مما يعتقدون بأنه ابتزاز.

واعتبرت بعض الصحف أنه لا بد من أن تتوقف واشنطن عن دعم الدول التي تزعج إيران وتتدخل في شؤونها الداخلية وأن تحترم نظامها السياسي وأنه لا بد من احترام واشنطن هذه المعايير قبل الدخول في مفاوضات، لا تعني موافقة إيران عليها الموافقة على موقف واشنطن من طهران، وإلا فإن واشنطن ستستخدم كل قدراتها وقوتها لفرض ما تريد وما لا تريد، وإلا ستكون نهاية المفاوضات إما أن نصل إلى طريق مسدود، أو الاضطرار إلى قبول اتفاق بالفعل لا يضمن وفاء الجانب الأميركي بالتزاماته، فسيصبح هذا الاتفاق أساساً لبدء ضغوط جديدة، وأن الوضع المتأزم في إيران ليس حالاً طارئة تدفع إيران إلى قبول الأمور التي تتعارض مع مصالحها ومخاوفها الوطنية من أجل حل الحال الطارئة.

كما تؤكد الصحف المتشددة على ضرورة الانتباه لكلمات خامنئي التي طلبت من الجميع تجنب التعامل بثقة مع أميركا، وضرورة الأخذ في الاعتبار التجارب السابقة، وأن الداخل الإيراني ليس متفائلاً بقضية المفاوضات على الإطلاق لأن المفاوضات مع العدو جربت مرات عدة، وكان تصرفهم يخالف تعهداتهم ومن الأمثلة الواضحة على ذلك "خطة العمل الشاملة المشتركة".

لكن من جهة أخرى، فإن امتناع واشنطن عن انتقاد وضع حقوق الإنسان في إيران خلال المراجعة الدورية الشاملة الـ48 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف والتي جرت للمرة الأولى، إلى جانب كثير من الإشارات الأخرى، تسبب في قلق المعارضة وأثار موجة من الاعتراض في إيران.

أما الصحف الإصلاحية، فتحاول الترويج لمذكرات مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون التي نشرت عام 2020 والتي قال فيها إن ترمب كان حريصاً على لقاء محمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران حينها، بناءً على اقتراح الرئيس الفرنسي وإنه كان مستعداً للاستقالة إذا عُقد الاجتماع، وأعاد بولتون سرد هذه الذكرى أخيراً بطريقة مختلفة.

الأهم هنا هو أن الجميع متشددين وإصلاحيين يستعدون لمرحلة جديدة من المفاوضات بين إيران وواشنطن، والآن أطلقت الرسائل والإشارات من الطرفين.

أندبندنت عربية

يقرأون الآن