إستراتيجية الأوروبيين تهددهم!

كان تَصورُ الجبهة، التى جَعَلَتْ أوكرانيا واجهةً لها فى الحرب ضد روسيا، أن إسقاط حكم بوتين ونظامه أمرٌ سهل! وكان هذا خطأهم التاريخى الذى تبعه جملة أخطاء أخرى، فى كل فكرة وكل خطوة، بوَهْم أنه يمكنهم بسرعة تدمير الاقتصاد الروسى، بإجراءات عقوبات متلاحقة، مما يتسبب فى مشاكل معيشية فى حياة الشعب الروسى، فينقلبون على بوتين ويسقطونه!! وهكذا، بهذه البساطة، تحقق الجبهة نصراً عظيماً! وأما أغرب ما فى هذه الاستراتيجية الساذجة، فليس فى حماسة زيلينسكى لها، فهو مستجد على عالم السياسة، وإنما كان الغريب من حلفائه الذين يشيعون عن أنفسهم أنهم خبراء التفكير الاستراتيجى، سواء فى إدارة بايدن، أو فى عدد من الدول الأوروبية صاحبة التاريخ المديد فى الحروب وحياكة المؤامرات! فكيف، مثلا، أدرجوا فى خطتهم أن تتضمن المقاطعةُ مصادرةَ أعمال تولستوى ودوستويفسكى وتشيخوف وبوشكين، وكل عظماء الأدب الروسى؟ وكيف تصوروا أن هذا يشارك فى هدفهم بتحريك الشعب الروسى ضد بوتين؟ كيف لم يتوقعوا أن هذا وحده يمكن أن يقلب الأمور ضدهم لأنه يستفزّ الشعب الروسى، الذى يزهو بعظمة أدبائه، وهو ما يشاركهم فيه العالم كله؟ لأن المصادرة تعنى أن الخطة الغربية لا تستهدف بوتين ولا نظامه، وإنما تضرب الثقافة الروسية، مما جعل الروس يصطفون تلقائياً وراء بوتين، الذى صار بهذا مدافعاً عن شعبه ورموزه.

وإذا كان زيلينسكى معذوراً لعدم إدراكه المخاطر الهائلة التى تحيق ببلاده، فكيف غاب هذا عن حلفائه فى مطبخ المواجهة، الذين تصوروا أن روسيا ستظل فى حالة ثبات أمام مخططاتهم التى تتتابع حلقاتُها، ولم يتذكروا ما هو شائع فى إعلامهم عن دهاء بوتين ومساعديه، وعن أن روسيا أمة عريقة خاضت تاريخياً حروباً دامية راكمت فيها خبرات لا تُحصَى، كان انتصارها على النازيين إحداها، وأن شعبها ثرى بالكفاءات، وأنها تنتج بسواعدها سلاحها على أعلى مستوى، وأن جيشها قوى مُعَزَّز بقدرات نووية، ويمكنه ساعة المواجهة أن يتعاظم ويصير قوة كاسحة..إلخ؟ وكانت النتيجة على الأرض أن الاقتصاد الروسى انتعش وضاعت أوكرانيا! ولكنهم حتى الآن مستمرون فى أوهام أنهم قادرون على إلحاق الهزيمة العسكرية بروسيا!!

الأهرام

يقرأون الآن