إقتصاد

قيمة الرواتب تتآكل أكثر من 35% منذ بدء الأزمة

قيمة الرواتب تتآكل أكثر من 35% منذ بدء الأزمة

منذ بدء الأزمة المالية في تشرين الأول 2019 لغاية اليوم تآكلت الأجور بنسبة فاقت الـ35% في أفضل الأحوال إذا ما احتسبنا أن الأجر اليوم بات يساوي في حدّه الأدنى كما أقرّت لجنة المؤشر الأسبوع الماضي 4,500 ملايين ليرة لبنانية، أي أقلّ من 100 دولار (استناداً الى سعر صرف السوق السوداء الحالي والبالغ 49 ألف ليرة، بعدما كان بقيمة 450 دولاراً في "أيام العزّ" حين كان سعر الصرف المعتمد 1500 ليرة لبنانية.

وذلك الراتب أو الحدّ الأدنى يشمل نحو 450 مستخدماً منتسباً الى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي. أما الرواتب المرتفعة والتي تحتسب وفق الشطور فباتت نسبتها تساوي 10% من قيمتها الفعلية.

 

الزيادات التي أقرّتها لجنة المؤشّر

 

 

وبذلك فإنّ الزيادات التي أقرّتها لجنة المؤشّر على مراحل (وتضمّ خلال اجتماعاتها وزير العمل ووفداً من الوزارة، الهيئات الإقتصادية، الإتحاد العمالي العام وممثّلين عن العمّال وأصحاب العمل)، والتي كانت بدايتها بزيادة 1,325 مليون ليرة على الحد الأدنى للأجور البالغ 675 ألف ليرة، ثمّ 600 ألف ليرة في مرحلة لاحقة ليصبح الحدّ الأدنى للموظف المسجّل في الضمان والمعمول به حالياً بقيمة 2,600 مليون ليرة، وأخيراً زيادة الـ1,900 مليون ليرة لبنانية ليصبح الحد الأدنى للمستخدم المسجّل في الضمان بقيمة 4,500 ملايين ليرة.

 

طبعاً هذا المبلغ والذي لا يساوي 100 دولار أميركي، لا يكفي مأكل فرد واحد شهرياً فكيف بالحري إذا كان راتب ربّ أسرة تتضمّن زوجة وأولاداً، علماً أن هذا الراتب مرشّح الى مزيد من التآكل يومياً مع كل وثبة للدولار.

 

وحول اقتصار قرار لجنة المؤشّر على هذا الرقم فقط كحدّ أدنى، أوضح رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الأسمر لـ"نداء الوطن"، أنه "كان من المفترض أن تجتمع اللجنة قبل الأعياد لرفع الحدّ الأدنى وقت كان سعر صرف الدولار بحدود 36 ألف ليرة قبل أن يلامس الـ50 ألف ليرة وارتفاع "صيرفة" من 30 الى 38 ألف ليرة لبنانية، ما أدّى الى تآكل ثلث قيمة الراتب خلال فترة أيام معدودة".

 

أما بالنسبة الى التقديمات الأخرى التي أقرّت، فقال: تمّت زيادة بدل النقل اليومي من 95 الى 125 ألف ليرة، وضربت التعويضات العائلية والمنح المدرسية بـ3 علماً أن الأخيرة حدّدت لثلاثة أولاد بدلاً من ولدين، وبذلك تصل لفترة عام الى 18 مليون ليرة.

 

واعتبر الأسمر أنه "مع زيادة الحدّ الأدنى المصرّح عنه لدى صندوق الضمان عند 4,500 ملايين ليرة سيرفد الضمان بقيمة 3000 مليار ليرة تضاف إليها مترتّبات الدولة التي سدّدت من وزارة المال الى الضمان البالغة 1200 مليار ليرة ليصبح المجموع 4200 مليار ليرة تساهم في رفع تقديمات الضمان بنسبة 50 أو 60%.

 

بالنسبة الى منح المدارس الخاصة، ارتفعت من 2 مليون ليرة الى 6 ملايين ليرة للولد الواحد وبذلك تصل الى 18 مليون ليرة للعائلة التي لديها 3 أولاد.

 

أما المدارس والجامعات الرسمية فارتفعت قيمة المنح التي ستعطى من مليون ليرة للولد الى 3 ملايين ليرة.

 

تبقى كيفية دخول قرار لجنة المؤشر حيّز التطبيق الموضوع الأهم رغم أن المبلغ زهيد نسبة الى تطوّر حجم التضخّم، في ظلّ الحاجة الى 4 مراسيم، قال الأسمر إن "رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وعد بإيجاد إخراج قانوني للتسريع بإدخال قرارات لجنة المؤشّر حيّز التطبيق. فبعد توقيع وزير العمل وإنجاز الإجراءات اللازمة يمكن إحالة المراسيم (النقل، قيمة المنح المدرسية، عدد الأولاد المستفيدين من المنحة الى ثلاثة، وزيادة الراتب) الى مجلس شورى الدولة للنظر في قانونيتها. وتمّ الإتفاق مع رئيس الحكومة على تسريع الأمور إما عبر مراسيم جوّالة أو عبر جلسة الحكومة وهنا تكون قد دخلت تلك المعضلة في البازار السياسي، داعياً الى تحييد الأوضاع المعيشية عن التجاذبات السياسية.

 

لماذا اقتصر الحدّ الأدنى على 4,500 ملايين ليرة فقط؟

 

وحول البطء في مواكبة لجنة المؤشّر لزيادة الرواتب مع تحرّك الدولار الصاروخي المستمرّ، وحتى اقتصار زيادة الحدّ الأدنى للراتب المسجّل لدى الضمان عند هذا الحدّ فقط، وهو لا يكفي فاتورة مولّد كهربائي، قال الأسمر إن "المشكلة تكمن في خشية أرباب العمل من انعكاس تزايد الكتلة النقدية بالليرة المتداولة على تعويضات نهاية الخدمة التي تسدّد من خلال تسوية. فالكتلة النقدية والبالغة 77 ألف مليار ليرة هي كبيرة وتزيد تضخّماً يوماً بعد يوم، مقارنة مع 14 ألف مليار ليرة لبنانية قبل اندلاع الأزمة المالية".

 

وتشكّل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة نسبة 67% من إجمالي المؤسسات المسجّلة في الضمان، أي نحو موظفين أو 3 من أصل 20 أو 25 موظفاً. وإذا تمّت زيادة الأجور الى حدّ معيّن تفلس تلك المؤسسات لأنها صغيرة ودخلها محدود.

 

من هنا حاولت لجنة المؤشّر استناداً الى الأسمر إقامة نوع من التوازن بين المؤسسات المفلسة وغير المقتدرة واقعياً وتلك التي تصرف موظّفيها والمؤسسات الصغيرة وتلك التي تعمل بشكل منتظم. فالمؤسسات الكبيرة والمصانع لا تلتزم حتى بالحدّ الأدنى للأجور إذ تتراوح قيمة الرواتب التي تسدّدها بين 10 و20 مليون ليرة، علماً أن بعض تلك المؤسسات والتي تنحصر في بيروت وجبل لبنان بعد دولرة استيراد المواد الأوّلية والإنتاجية والمبيع، يسدّد جزءاً من الراتب أو حتى كلّ الراتب بالدولار النقدي.

 

ويعارض الخبراء الإقتصاديون هذا التسلسل المنطقي الذي تتحكّم به لجنة المؤشّر في تحديد الحدّ الأدنى للأجور إذ يعتبر الإقتصاديون أن الحدّ الأدنى للأجور يجب أن يتحرّك مع تغيّر سعر صرف الدولار في السوق السوداء وليس ببطء شديد كما يحصل اليوم، وهذا الأمر سينعكس ايجاباً على مردود اشتراكات الضمان الإجتماعي الذي سيرفع تغطيته الإستشفائية الى نسبة تقترب ممّا كانت عليه سابقاً.

 

الأجر المفترض تحديده

 

لكن ما هو الحدّ الأدنى للرواتب والأجور الذي تحتاجه أسرة واحدة للتمكّن من البقاء على قيد الحياة؟

 

بيّنت دراسة أجراها الإتحاد العمالي العام حينما كان سعر صرف الدولار في السوق السوداء بقيمة 35 ألف ليرة حول قيمة الحدّ الأدنى للأجر لبقاء الموظف على قيد الحياة، أن الحدّ الأدنى لعائلة مكوّنة من 5 أفراد للاستمرار على قيد الحياة فقط ضمن درجة الفقر وليس للتمكّن من العيش الكريم، يبلغ 20 مليون ليرة.

 

وهذا الرقم توصّلت إليه دراسة "الدولية للمعلومات" أيضاً استناداً الى سعر صرف للدولار بقيمة نحو 37 ألف ليرة، فتبيّن أن العائلة تحتاج الى 23 مليون ليرة شهرياً. وذلك للتمكّن من تسديد فاتورة كهرباء بقيمة مليونين ونصف المليون لساعة بقدرة 3 أمبيرات توفّر فقط الإنارة وبراداً وتلفزيوناً، وتلبية حاجات السكن والطبابة والتعليم.

 

ومبلغ الـ20 مليون ليرة المفترض الإرتكاز عليه يصل الى 30 مليوناً بعد زيادة نسب التضخّم ليس محلياً فقط بل عالمياً بفعل الحرب الروسية الأوكرانية إذ ارتفعت الأسعار العالمية بنسب تتراوح بين 20 و25% وبذلك أصبح كل دولار أميركي يساوي 1,25 دولار، ما زاد من حالة لبنان سوءاً من دون إغفال دور العوامل السياسية والمضاربات والخسائر الكبيرة التي تلاحق العملة الوطنية مقابل سعر صرف الدولار الأميركي والتي تحقّق أرقاماً قياسية في تاريخ لبنان.

 

رواتب دون المليون!

 

إشارة الى أنه لا يزال هناك أفراد يتقاضون حتى الساعة رواتب تتراوح بين 600 و900 ألف ليرة لبنانية ومليون ليرة شهرياً أي نحو 15 دولاراً و20 دولاراً وفق سعر صرف بقيمة 49 ألف ليرة.

 

فالعامل بوزارة الشؤون الإجتماعية وتحديداً في برامج الأسر الأكثر فقراً يتقاضى 800 ألف ليرة شهرياً، أما رواتب المياومين الذين يقدّمون خدمات صيانة وينجزون التصليحات في الجامعة اللبنانية فيبلغ راتب كل منهم 700 ألف ليرة.

 

حتى أن مياومي مقدّمي خدمات الصيانة في مؤسسة كهرباء لبنان لدى شركة "لينا متى"، لا يزالون يتقاضون 40 ألف ليرة لبنانية يومياً أي أقلّ من دولار واحد قيمة أجرهم اليومي.

 

أما عمّال غبّ الطلب بمؤسسات المياه في لبنان فتتراوح رواتبهم بين 800 ألف ليرة ومليون ليرة.

 

وكذلك الأمر بالنسبة الى عمّال مرفأ بيروت الذين أصبحت رواتبهم بعد الزيادة التي أضيفت إليها، بقيمة مليوني ليرة لبنانية شهرياً.  


باتريسيا جلّاد - نداء الوطن

يقرأون الآن