في ظل حالة من عدم اليقين تدعو الهند دول مجموعة "بريكس" إلى إزالة القيود على الصادرات بين دول المجموعة لتعزيز التجارة بين بلدان العالم النامي. وقد طرحت نيودلهي هذا المقترح خلال اجتماع وزراء تجارة دول بريكس الخامس عشر الذي عقد مؤخراً في البرازيل، ودعت الدول الأعضاء إلى النظر في تفكيك الحواجز التجارية لتسهيل التبادل التجاري. كما شددت الهند على ضرورة إزالة التدابير التجارية التقييدية التي تعطل سلاسل الإمداد الحيوية.
تضم مجموعة بريكس البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ومصر وإثيوبيا وإندونيسيا وإيران والإمارات العربية المتحدة. وهذه المجموعة تضم أكبر الاقتصادات النامية والناشئة في العالم. وتشكل هذه الدول مجتمعة 41% من سكان العالم، و24% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و16% من التجارة العالمية.
وفي عام 2022، بلغت حصة دول بريكس من التجارة العالمية 18%، ومع توسّع المجموعة حالياً، من المتوقع أن تتفوق دول البريكس على مجموعة السبع في حجم التجارة العالمية بحلول عام 2026.
تأسست مجموعة "بريكس" كبديل للمنظمات متعددة الأطراف التي يهيمن عليها الغرب. وهدف المجموعة هو الدفع نحو تمثيل أكبر في المنظمات العالمية. وتعتبر "بريكس" نفسها معبرة عن وجهة نظر الاقتصادات الناشئة في المحافل متعددة الأطراف.
وقد سعت المجموعة إلى إصلاح المنظمات متعددة الأطراف القائمة منذ أمد طويل، بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وحرصت على إظهار موقف موحد متى ما أمكن، حتى داخل المؤسسات متعددة الأطراف القائمة. كما سعت إلى تنسيق السياسات الاقتصادية في مجموعة واسعة من القضايا مثل التعريفات الجمركية، والتجارة العالمية، والاستثمار، وإنشاء نظام مالي بديل. وفي ظل هذه الظروف، أنشأت المجموعة بالفعل "بنك التنمية الجديد" و"ترتيب الاحتياطي الطارئ"، واللذين يُنظر إليهما كبديل للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وفي خضم كل ذلك، هناك جهد لتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي. فقد أيدت دول بريكس سياسة "إلغاء الدولرة" بهدف تعزيز التجارة بالعملات المحلية أو حتى إنشاء عملة مشتركة محتملة لدول "بريكس".
ويُنظر إلى هذا أيضاً كوسيلة لبعض الدول داخل المجموعة لتقليل تأثير العقوبات الغربية. ونتيجة لذلك، أصبحت أعمال مجموعة "بريكس" محط تركيز كبير من الدول الغربية. فقد حذرت الولايات المتحدة المجموعة من محاولة استبدال الدولار الأميركي كعملة احتياطية، بل وهدد الرئيس دونالد ترامب بفرض تعريفة جمركية بنسبة 150% رداً على أي محاولة للنيل من مكانة الدولار الأميركي.
ومع ذلك، فإن المنظمات متعددة الأطراف أصبحت أيضاً محط اهتمام متزايد في ظل تنامي حالة عدم اليقين في التجارة العالمية، التي أثارها فرض الولايات المتحدة تعريفات متبادلة، وهي السياسة التي يسعى ترامب من خلالها إلى معالجة اختلال موازين التجارة العالمية.
في ظل هذه الخلفية، استخدمت الهند هذه المنصة لمعارضة ضوابط التصدير بين أعضاء مجموعة البريكس، وذلك خلال اجتماع وزراء التجارة في البرازيل، التي تتولى رئاستها حالياً تحت شعار "تعزيز التعاون العالمي الجنوبي من أجل حوكمة أكثر شمولاً واستدامة". وقد سعت الهند إلى الحصول على دعم متبادل داخل المجموعة، حتى مع استعدادها لتولي رئاسة المجموعة في عام 2026.
وقد أشار البيان المشترك الصادر عقب الاجتماع عن إعلان البريكس بشأن إصلاح "منظمة التجارة العالمية" وتعزيز نظام التجارة متعدد الأطراف، وإطار عمل البريكس للتجارة والتنمية المستدامة. وأشارت الحكومة الهندية إلى أن هذه الوثائق تؤكد مجتمعةً التزام البريكس بتجارة عالمية عادلة وشاملة وقائمة على القواعد.
مع تعثر التجمعات متعددة الأطراف الأخرى التي يقودها الغرب ومواجهتها تساؤلات حول التمثيل العادل للدول الآسيوية والأفريقية والعربية، ازدادت أهمية مجموعة بريكس. ويؤكد توسع هذه التجمعات على استمرار جاذبية مفهوم "بريكس" وقدرته على معالجة الخلل في النظام متعدد الأطراف الذي لطالما قاده الغرب، وبالتالي عكس، في كثير من الأحيان، المصالح الغربية. ومع ذلك، لم ترتقِ مجموعة بريكس إلى مستوى إمكاناتها الكاملة. ويرجع ذلك جزئياً إلى الانقسامات الداخلية بين الدول الأعضاء، واتباع كل دولة أجندتها الوطنية الخاصة، وهو ما لا يخدم دائماً التوجه متعدد الأطراف. فهناك تباينات واضحة بين الدول المختلفة، التي تنتمي إلى مناطق متباعدة من العالم ولها أولويات مختلفة.
رغم كل هذه التحديات، فإن الوضع الحالي يشكل فرصة لدول "بريكس" لتقديم القيادة في وقت يشهد حالة من عدم اليقين. وتتوقع منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) أن يتباطأ النمو العالمي إلى 2.3% هذا العام، مع تآكل الثقة لدى المستثمرين والشركات نتيجة عدم اليقين في السياسات التجارية والاقتصادية. على الصعيد العالمي، يسود مناخ عام من عدم اليقين بسبب تصاعد الحمائية، وزيادة النزاعات التجارية، وتهديدات بفرض تعريفات جمركية. وتُظهر مساعي الهند داخل "بريكس" محاولة لتجنب تداعيات هذا الوضع عبر فتح قنوات التجارة بين دول المجموعة. وهناك بالتأكيد ميزة كبيرة في توسيع التجارة والاستثمار داخل دول المجموعة. وفكرة تعزيز التجارة فيما بينها تُعد وضعاً رابحاً للجميع في ظل حالة عدم اليقين الحالية.
الاتحاد