تضاعفت مخاوف اللبنانيين مع ارتفاع وتيرة الحرب بين إسرائيل وإيران، وتبادل التهديدات بقصف المفاعل النووية. ولعل الهاجس الأكبر هو التداعيات الخطيرة التي قد تحصل إن قصفت إيران مفاعل ديمونا النووي في إسرائيل، فيتأثر لبنان بالإشعاعات النووية.
شهد لبنان الكثير من الحروب والكوارث الصحية منذ عقود طويلة. وفي السنوات الخمس الأخيرة، تفشت جائحة كورونا، انفجر مرفأ بيروت، تهاوت الليرة اللبنانيّة، وعاش اللبنانييون حربًا إسرائيلية مُدمرة. وتجدّد خوفهم من أن يتأثر لبنان بإشعاعات نووية آتية من إسرائيل في حال انفجار ديمونا النووي، وسط تساؤلات إن كانت الدولة اللبنانية قد وضعت أي خطة للطوارئ، وإن كانت الأدوية اللازمة متوفرة في حال تفاقمت هذه المشكلة، وما هي التدابير التي يجب اتخاذها في هذه الحالات الاستثنائيّة.
مفاعل ديمونا النووي
للحصول على معطيات إضافية، تواصلت "المدن" مع الدكتور بلال نصولي، رئيس الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية في لبنان- المجلس الوطني للبحوث العلمية، الذي أوضح أن لبنان يملك EARLY WARNING SYSTEM، موزعة في 20 ثكنة عسكرية بلبنان، وهي مخصصة لتحذيرنا في حال وصول أي إشعاعات نووية. ويتم مراقبتها كل ثلاث ساعات في الوقت الحالي. ومنذ بدء الحرب الإسرائيليّة-الايرانيّة، تبيّن أن الأهداف التي ضُربت في إيران لم تحدث أي تلوث كبير، لأن جميع المواد كانت موجودة تحت الأرض. ولذا، نسبة التلوث خفيفة ومحصورة في المكان المُدمر فقط. علمًا أنه من الضروري عدم التكتم عن نسبة الأضرار، خصوصًا في ظل وجود هذه المواد الخطرة التي تؤثر بشكل مباشر على صحة الناس.
لكن، في حال ضربت إيران المفاعل النووي في ديمونا، فهناك عدة خطوات يجب على الدول المحيطة بإسرائيل اتخاذها. ويشرح نصولي: "الدول الأكثر تضرّرًا في هذه الحالة ستكون الأردن، سوريا ولبنان".
المواد المشعة وذكريات قديمة
بما يتعلق بلبنان، كخطوة أولى يجب معرفة الأضرار التي حصلت، وإن كانت المواد مخبئة داخل الأرض أم لا، ونحن لا نعلم ما هي المواد الموجود في إسرائيل أصلًا. لذلك لا يمكن التنبؤ بالسيناريو الذي قد يحصل. لكن في كل الأحوال، ينبغي التواصل مع الجهات المعنية في الدولة اللبنانية، ومراقبة حركة وسرعة الرياح. وانطلاقًا من نوع المواد المشعة تتخذ التدابير، لكونها بحاجة إلى عدة أيام لكي تصل إلى لبنان، علمًا أن النسبة الأعلى تصل عند الحدود اللبنانية، أي في الجنوب اللبناني والبقاع، وتنخفض تدريجيًا بحسب الرياح".
في الساعات الأخيرة، عاد اللبنانييون بذاكرتهم إلى زمن الحروب النووية، وتحديدّا في العام 1981، حين دمرت إسرائيل مفاعل نووي في العراق، فلجأوا إلى تدابير كثيرة داخل منازلهم، تمثلت "بإغلاق النوافذ باللاصق وبمواد عازلة لمنع دخول الإشعاعات، تنظيف منازلهم بالماء والخل، ومنهم من احتجزوا داخل منازلهم لأسابيع واكتفوا بالصلاة".. خوفًا من استنشاق أي مواد مشعة أو ابتلاعها. وتكرر الأمر حين قصف صدام حسين إسرائيل بالصواريخ عام 1991، وكان هناك تخوف أن تكون مزودة بمواد كيماوية فتاكة.
وهنا يعلق نصولي، بأن هذه التدابير الوقائية قد تكون غير فعالة، وذلك بحسب نوع المواد المشعة التي تنتشر، ويؤكد أنه لا لون لهذه المواد ولا رائحة، وبالتالي لا يمكن معرفة لحظة الإصابة بها، إلا بعد أن تحذر الأجهزة الموجودة في لبنان (EARLY WARNING SYSTEM) بأن هناك إشعاعات دخلت إلى لبنان، مع العلم أنها ستصل إلى دول أخرى قبل لبنان، لذلك، يجب متابعة هذه الأجهزة لمعرفة التدابير الوقائية للمناطق اللبنانية، وفي أسوأ الحالات قد يصل الأمر في حال انتشارها إلى ضرورة إخلاء المنطقة الأكثر تضرّرًا بشكل كامل، إضافة إلى حاجة المواطنين إلى تناول بعض الأدوية المخصصة.
والمعروف أن استنشاق اليود-131، أو ابتلاعه يؤدي إلى استقراره في الغدة الدرقية للإنسان، وهناك تؤدي اشعاعاته القوية إلى احتمال زيادة في خطر الإصابة بسرطان الغدة الدرقية.
ويختم نصول قائلًا: "نستبعد حاليًا السيناريوهات السيئة، لا داعي للخوف، علينا مراقبة الحرب".
خطة طوارئ
من جهتها، شددت النائب نجاة صليبا في حديثها مع "المدن" إلى ضرورة تحرك الحكومة اللبنانية لوضع خطة للطوارئ، كي يتمكن كل لبناني من معرفة لحظة وصول الإشعاعات، إضافة إلى وضع خطة تشمل المستشفيات، إذ لا يجب أن ننتظر لحظة وقوع الخطر لنتحرك، مؤكدةً أن هيئة العليا للإغاثة يجب أن تعلن عن خطة شاملة، وأن تعطي الإرشادات للمواطنين، وحذرت في بيان لها "من تصاعد التهديدات المرتبطة بالتصعيد العسكري في المنطقة، خصوصًا مع احتمال استخدام أو تسرب أسلحة غير تقليدية، ما قد يتسبب بتلوث إشعاعي خطير يهدد صحة الناس وسلامة البيئة".
حاولت "المدن" التواصل مع وزير الصحة ركان ناصر الدين، لمعرفة إن كانت الأدوية اللازمة متوفرة وإن بدأت وزارة الصحة بوضع خطة للطوارئ.. لكن خطوط الاتصال كانت مقفلة!