تشهد طهران نزوحا يوميا، فمنذ بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران قبل 6 أيام، تحولت المدينة الصاخبة والمفعمة بالحياة، إلى ساحة مشتعلة، لا تهدأ سماؤها ولا ينام سكانها.
وبالكاد ترى مشاهد الحياة في طهران خلال هذ الأيام، فالشوارع خالية، والمحلات التجارية مغلقة، والاتصالات متقطعة. وفي ظل عدم وجود ملاجئ آمنة مفتوحة للعامة، يقضي الناس المذعورون ليالٍ مضطربة على أرضيات محطات المترو بينما تدوي الضربات فوق رؤوسهم.
وبات هذا حال المدينة بشكل عام، بعد أقل من أسبوع من بدء غارات إسرائيلية شرسة لتدمير البرنامج النووي للبلاد وقدراتها العسكرية. وبعد تدمير جزء كبير من منظومة الدفاع الجوي الإيرانية، تقول إسرائيل، إن "طائراتها الحربية تتمتع بحرية مطلقة في سماء المدينة".
نزوح جماعي
وتقول التقارير، إن الآلاف فروا من المدينة، وقضوا ساعات طويلة في ازدحامات مرورية وهم يتجهون نحو الضواحي والأرياف، أو بحر قزوين، أو حتى أرمينيا أو تركيا. لكن آخرين - من كبار السن والضعفاء - عالقون في مبانٍ سكنية شاهقة. ويتساءل أقاربهم: ماذا سيفعلون؟.
وأفادت منظمة حقوقية، أن الغارات الإسرائيلية على إيران أسفرت عن مقتل 585 شخصاً على الأقل، وإصابة أكثر من 1300 آخرين. توقفت وسائل الإعلام المحلية، التي تُعدّ هي الأخرى أهدافاً للقصف، عن تغطية الهجمات، تاركةً الإيرانيين في جهل.
وقالت شيرين، البالغة من العمر 49 عاماً، والتي تعيش في الجزء الجنوبي من طهران، إن كل مكالمة أو رسالة نصية إلى الأصدقاء والعائلة في الأيام الأخيرة كانت تبدو وكأنها قد تكون الأخيرة.
وأضافت، "لا نعرف إن كنا سنبقى على قيد الحياة غداً".
ويشعر الكثير من الإيرانيين بالصراع الداخلي. وبينما يؤيد البعض استهداف إسرائيل للمسؤولين السياسيين والعسكريين الإيرانيين الذين يعتبرونهم قمعيين يدافع آخرون بشدة عن الجمهورية الإسلامية والضربات الانتقامية على إسرائيل، ثم هناك أولئك الذين يعارضون حكام إيران - لكنهم ما زالوا لا يريدون رؤية بلادهم تُقصف.
اتصالات معدومة
وأجرت وكالات الأنباء العالمية مقابلات هاتفية مع 5 أشخاص في إيران ومواطن أميركي من أصل إيراني في الولايات المتحدة. تحدث جميعهم بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، خوفاً من انتقام الدولة منهم أو من عائلاتهم.
وانتهت معظم المكالمات فجأةً وفي غضون دقائق، مما أدى إلى قطع المحادثات بسبب توتر الناس - أو لانقطاع الاتصال. وأقرت الحكومة الإيرانية بتعطيل الإنترنت. وتقول إن ذلك لحماية البلاد، مع أن ذلك حرم الإيرانيين العاديين من الحصول على معلومات من العالم الخارجي.
وقال لاجئ أفغاني يبلغ من العمر 23 عاماً، ويعيش في إيران منذ أربع سنوات، إنه بقي في طهران، لكنه أرسل زوجته وابنه حديث الولادة إلى خارج المدينة بعد أن أصابت غارة جوية يوم الإثنين صيدلية قريبة.
وقال، "لقد كانت صدمة قاسية جداً لهم".
وأكد البعض، مثل شيرين، أن الفرار لم يكن خياراً وارداً. فالمباني السكنية في طهران شاهقة ومكتظة. ووالدها مصاب بالزهايمر ويحتاج إلى سيارة إسعاف لنقله. أما والدتها، فالتهاب المفاصل الحاد الذي تعاني منه يجعل حتى الرحلة القصيرة مؤلمة للغاية.
ومع ذلك، وعلى أمل أن يكون الفرار ممكناً، أمضت الأيام القليلة الماضية تحاول الحصول على أدويتهم. انتظر شقيقها في محطة وقود حتى الساعة الثالثة صباحاً، ليُرفض طلبه عندما نفد الوقود. واعتباراً من يوم الإثنين، تم تقنين البنزين إلى أقل من 20 لتراً (5 غالونات) لكل سائق في محطات الوقود في جميع أنحاء إيران بعد أن أشعلت غارة إسرائيلية النار في أكبر حقل غاز في العالم.
ويقيم الشاب البالغ من العمر 22 عاماً في المنزل مع والديه منذ الغارة الإسرائيلية الأولى. وقال إن حيه، سعدات آباد، الذي كان يوماً ما حياً، شمال غرب طهران، أصبح الآن مدينة أشباح، المدارس مغلقة، وقليل من الناس يخرجون لتمشية كلابهم. كما نفدت مياه الشرب وزيت الطهي من معظم المتاجر المحلية، بينما أغلقت متاجر أخرى أبوابها.