لبنان والعراق في موقف حرج على حد السكين بالنسبة إلى حرب المشروع النووي وإعادة تشكيل الشرق الأوسط بين إسرائيل المدعومة أميركياً وإيران التي لها في البلدين فصائل مسلحة مرتبطة بالحرس الثوري. والتحدي أمامهما واحد، بصرف النظر عن الفوارق بين الأوضاع في كل منهما: قدرة الشرعية على تحقيق سياسة اللاتورط ورفض محاولات التوريط في حرب أكبر من البلدين تقضي الحكمة بالابتعاد من الانخراط فيها حفاظًا على المصالح الوطنية. لكن المشكلة أن قرار الشرعية لا يكفي ولا هو الموقف النهائي، لأن التزامه يحتاج إلى ضغوط ومداخلات عربية ودولية ومفاوضات محلية مع الفصائل المسلحة المرتبطة بالجمهورية الإسلامية.
عهد الرئيس جوزاف عون وحكومة الرئيس نواف سلام يتكلان على تفهم "حزب الله" لدقة الوضع ومونته على "حماس والجهاد الإسلامي". وهما في حرج أمام التحذير من ضياع الفرصة وتعاظم الخطر، وسط مطالب وطنية وشعبية، وضغوط سياسية واقتصادية أميركية وأوروبية وعربية، ومخاوف من إكمال الحرب الإسرائيلية، وحسابات نفوذ إيراني لم يخرج من لبنان ولا صارت جذوره أقل لدى مكوّن لبناني أساسي.
وحكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تجد صعوبة في الحفاظ على التوازن بين التزامات بغداد حيال التحالف الدولي الذي تقوده أميركا وبين النفوذ الإيراني القوي، ولا سيما بعد انتهاء مرحلة "التخادم" بين إيران وأميركا منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003. وهي تطلب ضبط النفس من فصائل مرتبطة بالحرس الثوري، تهدد بالانخراط في الحرب إلى جانب إيران وضرب القواعد الأميركية، وتعلن تجديد "البيعة والعهد" للولي الفقيه المرشد الأعلى علي خامنئي.
لكن ما يحول، حتى إشعار آخر، دون انخراط "حزب الله" والفصائل العراقية في الدفاع عن إيران ضد إسرائيل وأميركا ليس منطق السلطة في لبنان، ولا تحذير الحكومة في العراق من أن تهديد الفصائل هو "تصعيد خطير يضع العراق في صلب صراع إقليمي معقد ويقلص هامش التحرك السيادي للحكومة ويعرض الأمن الداخلي وبيئة الإستثمار للخطر".
ذلك أن المانع، هو أولًا، أن طهران لم تطلب من أذرعها التحرك، ولو طلبت لما تردد أكثر من فصيل في استخدام الصواريخ التي في حوزته من إيران. وهو ثانيًا، ما أصاب "حزب الله" من ضربات قوية وخوفه من خسارة كل شيء في إكمال الحرب مع إسرائيل، قبل ما سماه "ترميم وضعه". وهو، ثالثًا، انتظار تبلور صورة الحرب على المستويات الإقليمية والدولية وما ينتهي إليه المشهد الشرق أوسطي قبل سماع "التكليف الشرعي". وهو، رابعًا، عدم التخلي عن "اللغة الانتصارية" حتى في الهزائم، وبالتالي الاعتقاد بأن إيران ستربح الحرب وتغير المنطقة التي ادعى نتنياهو أنه "غيّرها". وهو، خامسًا، مفارقة انخراط "حزب الله" في مواجهة إسرائيل دفاعًا عن طهران، في حين أنه توقف عن الرد على الاعتداءات الإسرائيلية عليه كما على لبنان منذ اتفاق وقف الأعمال العدائية في الخريف الماضي.
والمسألة ليست أن تطالب أو لا تطالب الدولة "حزب الله" بالامتناع عن الرد بعدما بادر هو إلى إعلان ذلك. المسألة أنها تبدو متعثرة أو عاجزة عن فعل أي شيء إذا قرر هذا "الحزب" الانخراط في الحرب. والواضح، حتى الآن على الرغم من الإعلان الرسمي المكرر، أن قرار الحرب والسلم لم يصبح تماماً في يد الدولة، ولن يصبح ما دام هناك سلاح خارج "حصرية الدولة". و"الخطأ الجسيم يوازي سوء النية" حسب قاعدة قانونية فرنسية.
نداء الوطن