لا يفشل الناس لأن أحلامهم كبيرة، بل لأنهم يتراجعون سريعاً عند أول عقبة. سواء كان الهدف إطلاق مشروع تجاري، تحقيق حرية مالية، أو حتى تحسين اللياقة البدنية، فإن كثيرين يتوقفون عند أول اختبار حقيقي.
يعتقد ديفيد برايس الرئيس التنفيذي ومؤسس مجموعة "برايس"، إحدى أسرع وكالات التأمين نمواً في الولايات المتحدة أن الحماس الذي يملأ الأجواء سريعاً ما يتبخر. في البداية يتم إطلاق مواقع إلكترونية، وتعليق لوحات إعلانات، والطموحات تحلّق عالياً. لكن سرعان ما يأتي الجزء الأصعب: الاستمرار يوماً بعد يوم، حتى حين يتلاشى الحماس. وهنا، يتوقف الكثيرون، وفقاً لما ذكره لمجلة "فوربس"، واطلعت عليه "العربية Business".
لكن هناك فئة صغيرة تواصل الطريق. هؤلاء هم من يبنون شركات ناجحة، ويحققون أهدافهم، ويغيرون حياتهم بصمت. فما الذي يميزهم عن الآخرين؟
فخ إعادة البدء... مراراً وتكراراً
في زمن السرعة، أصبح التخلي عن فكرة والانتقال لأخرى أمراً شائعاً. يبدأ البعض مشروعاً، يكتشفون صعوبته، فيتركونه ويبحثون عن "الفرصة الكبرى" التالية، بحسب برايس. وآخرون يوزّعون جهودهم على عدة مشاريع صغيرة، معتقدين أن التنوع هو طريق النجاح.
لكن الحقيقة أن تشتيت الانتباه لا يؤدي إلا إلى نتائج متوسطة في كل الاتجاهات. الناجحون لا يطاردون عشر فرص في وقت واحد، بل يختارون مساراً واحداً، يلتزمون به، ويتقنونه قبل أن يتوسعوا. "أمازون" كمثال، بدأت ببيع الكتب فقط، ثم توسعت بعد أن سيطرت على هذا المجال.
السبب الحقيقي لفشل كثير من رواد الأعمال هو أنهم لا يمنحون خططهم الوقت الكافي لتؤتي ثمارها. يتنقلون بين الأفكار والاستراتيجيات، وكل مرة يبدأون من الصفر. ولكن النجاح يتطلب صبراً، وجهداً يومياً بعيداً عن الأضواء، وثقة في المسار حتى تظهر النتائج.
وقال إن الناجحين لا يخلو طريقهم من الصعوبات، لكنهم لا يستسلمون.
الانضباط... أقوى من الحافز
ويعتقد برايس أنه من أكبر الخرافات في عالم النجاح أن الدافع هو كل شيء. لكن الدافع مؤقت، يظهر في البداية ويختفي عند أول تحدٍ.
أما الانضباط، فهو الثبات. أن تواصل العمل حتى حين لا ترغب بذلك. أن تُجري المكالمات البيعية وأنت مرهق، وأن تركز رغم كثرة المشتتات.
تكمن الصعوبة في أي تحدٍ في الالتزام مهما بدا الأمر بسيطاً، مثل شرب عدد معين من أكواب المياه يومياً أو قراءة عدد من الصفحات أو أداء تمرين معين. كثيرون يفشلون ليس لأن التحدي مستحيل، بل لأنهم يفتقرون للثبات.
الأمر ذاته ينطبق على الأعمال. ليس الأذكى أو الأقوى هو من ينجح، بل من يرفض التوقف.
قوة الجهد المتراكم
وقال برايس: "من أهم الدروس التي تعلمتها في بناء وكالة تأمين على الحياة، أن النجاح هو نتيجة تراكم الجهود. خطوات صغيرة، تنفذ باستمرار، تؤدي إلى نتائج ضخمة".
في البداية، لم يكن الأمر يتعلق بابتكار شيء جديد أو مطاردة كل فرصة. بل كان عن الالتزام بنظام مجرب، وتكرار الأساسيات يومياً، وتجاهل الضجيج.
"اختر طريقك، التزم به، ودع الاستمرارية تقوم بعملها" بحسب ما ذكره برايس، والذي يرى أن هذا المبدأ ينطبق على كل مجالات الحياة. الاستمرارية ليست براقة، لكنها لا تُهزم. هي الأساس الذي يُبنى عليه كل شيء. وإذا شعرت بأنك عالق في مشروعك، فالحل ليس في فكرة جديدة، بل في العودة إلى العمل الذي أمامك.
النجاح في ريادة الأعمال لا يعتمد على الحظ أو العبقرية أو كثرة الفرص. بل على الانضباط، والتركيز، والقدرة على الاستمرار بعد أن يختفي الحماس.
المشتتات لن تبني مستقبلك. الاستمرارية ستفعل. الفائزون ليسوا دائماً الأكثر موهبة، بل من رفضوا التوقف.


