مقالات آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

أبناء من رحم الوطن... بلا وطن- متى تُنصف الدولة اللبنانية نساءها؟

أبناء من رحم الوطن... بلا وطن- متى تُنصف الدولة اللبنانية نساءها؟

أن تكوني امرأة لبنانية متزوّجة من أجنبي، يعني أن تحملي في داخلك وطناً لا يعترف بأبنائك.

أن يولدوا على هذه الأرض، ويتنفّسوا هواءها، ويتكلّموا لغتها، ثم يُقال لهم: أنتم لستم منّا.

أيّ ظلمٍ هذا الذي يجعل الأم غريبة في حضن وطنها؟

يمنح الرجل اللبناني جنسيته لزوجته الأجنبية وأولاده منها بقرار واحد من القانون، بينما تُمنع المرأة اللبنانية من منح جنسيتها لأولادها إن تزوّجت من غير لبناني. وكأنّ الوطن، بكل ما يحمله من رموز ومعان، موروثٌ أبويّ لا مكان فيه للأنثى إلا كظل أو تابع.

هذا التمييز لا يُناقض فقط مبدأ المساواة الذي ينصّ عليه الدستور اللبناني، بل ينسف فكرة العدالة من جذورها.

فالمواطنة، في معناها الأعمق، ليست امتيازاً يُمنح بحسب نوع الجسد، بل انتماء يُبنى بالولادة والذاكرة والعطاء.

ومع ذلك، ما زال القانون يصرّ على أن رحم اللبنانية لا يُنجب لبنانيين، وكأنّ الانتماء مسألة دمٍ لا مسألة وجود.

تتذرّع الدولة، كلما طُرحت المسألة، "بالاعتبارات الديموغرافية"، وكأنّ أبناء اللبنانيات قنبلة موقوتة تهدّد التوازن الطائفي.

لكنّ الحقيقة المؤلمة أن هذا الخوف ليس إلا قناعاً يخفي تواطؤا سياسياً طويل الأمد، يقدّم الذكورية على العدالة، والطائفية على المواطنة.

فهل الهوية اللبنانية هشّة إلى هذا الحد، حتى تهزّها ولادة طفلٍ من أم لبنانية وأب غير لبناني؟

في الواقع، يدفع أبناء هؤلاء النساء ثمناً باهظاً منذ لحظة ولادتهم: معارك في الأوراق الرسمية، قيود في التعليم والعمل، ومشاعر دائمة بالاغتراب داخل حدود الوطن.

يكبرون وهم يسمعون أمهاتهم يكرّرن: "أنت لبناني أكثر من كثيرين"، لكنّ القانون يصر على نفيهم.

القضية ليست قانونية فحسب، بل إنسانية بامتياز.

هي قضية كرامة وحق وهوية.

حين تُحرم المرأة من حق نقل جنسيتها، فهي لا تُقصى عن الورق فحسب، بل عن المعنى ذاته للمواطنة.

تُقال لها ضمناً: "أنتِ أقل"، وكأنّ تضحياتها وصمودها في وجه الأزمات لا تكفي لتجعلها شريكة كاملة في الوطن.

لبنان الذي تفتخر نساؤه بقدرتهنّ على النهوض من الركام، لا يمكن أن يبقى سجين قوانين وُلدت في زمنٍ لم يعرف المساواة.

الإصلاح الحقيقي يبدأ من الاعتراف بأن الأم اللبنانية ليست عابرة في التاريخ، بل جذر من جذور هذا التراب.

لقد آن الأوان لأن يتحرّر الوطن من ذكوريّته القانونية، وأن يُنصف أمهاته قبل أن يتغنّى بأمجاده.

فالوطن الذي لا يمنح أبناء نسائه حقّ الانتماء، وطنٌ لم يعرف بعد معنى العدالة.

وإن لم تتحرّك الدولة اليوم لإقرار قانون عادل يساوي بين اللبناني واللبنانية في حق منح الجنسية، فستبقى كل شعارات "المواطنة والمساواة" مجرّد صدى في الفراغ.

فعدالة الوطن تُقاس بما يمنحه لأبنائه جميعاً، لا بما يمنعه عن نصفه الآخر.

يقرأون الآن