الحرائق التي التهمت العديد من الأحراج أمس، وأدت الى استنفار الدولة بكامل أجهزتها، ربما سيطال لهيبها كل المناطق اللبنانية اذا لم يتم تدارك الامور من اليوم حتى نهاية العام الحالي وفق التحذيرات التي تأتي من كل حدب وصوب، وبحسب المعطيات التي تنقلها الوفود العربية والغربية الى المسؤولين في لبنان، بالتزامن مع معلومات تشير الى تهديدات إقتصادية وعقوبات مالية أميركية تترافق مع التهديدات الأمنية.
ومن يراقب التصعيد الميداني، والمواقف "النارية" شبه اليومية، يدرك تماما ان طبول الحرب الشاملة تُقرع حتى ان العديد من المراقبين يعتبرون ان اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل بات "حبرا على ورق"، وان لا مفرّ من الحرب التي تنتظر نقطة الصفر العسكرية والتكتيكية لانطلاقتها. وعيّنة من المواقف خلال الساعات القليلة الماضية تظهر حجم التوتر، والنار المشتعلة تحت الرماد: البداية مع ما أعلنت عنه قوات "اليونيفيل" على لسان نائب المتحدث باسم الأمين العام للامم المتحدة فرحان حق، عن رصد 88 آلية للقوات الإسرائيلية بما في ذلك دبابات ميركافا، داخل منطقة العمليات أمس، بعدما كانت قد رصدت 100 آلية في اليوم الذي سبقه. كذلك رصدت طائرة مقاتلة تحلّق فوق موقع "اليونيفيل" في القطاع الشرقي، بالإضافة إلى طائرة مسيّرة (درون) تعمل بالقرب من موقع أممي في القطاع الغربي. أما التصعيد الاكبر، فجاء على لسان الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الذي اعتبر أنّ العدوان الإسرائيلي لا يمكن أن يستمر بلا رادع، وأنّ الصمت على الخروقات الإسرائيلية لن يدوم طويلًا. هناك حدًا للصبر، وأنّ العدوان سيكون له نهاية، معتبرا ان الولايات المتحدة تمارس وصاية مباشرة على الحكومة اللبنانية عبر الضغط الإسرائيلي.
وعلى الجبهة الاسرائيلية، أكد المتحدث باسم الجيش نداف شوشاني أن "الحزب" يعمل جنوب نهر الليطاني، في انتهاك لاتفاق الهدنة فيما لفتت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الى ان اتفاق وقف النار قد ينهار خلال أيام، مشيرة الى ارتفاع احتمالات أن تتطور الهجمات الإسرائيلية في الأسابيع المقبلة إلى حرب شاملة جديدة بالتوازي مع ضغط إسرائيلي على الجيش اللبناني ليكون أكثر صرامة في نزع سلاح "الحزب" من خلال تفتيش المنازل.
وفي وقت تسعى العديد من الدول على لعب دور على الساحة اللبنانية وتحقيق إنجاز، لا بد من التوقف عند كلام قاسم عن الصبر والصمت اللذين لن يدوما طويلا وفق تعبيره، لكن الأهم انه حاول بثّ رسائل طمأنة لشمال إسرائيل إلى جانب إصراره على رفض مناقشة تسليم سلاحه خارج منطقة جنوب الليطاني، بقوله: إن اتفاق وقف إطلاق النار هو حصراً لجنوب الليطاني، وعلى إسرائيل الخروج من لبنان، وإطلاق سراح الأسرى، ولا خطر على المستوطنات الشمالية.
وفق النائب السابق فارس سعيد في حديث لموقع "وردنا" ان اهم ما ورد في خطاب قاسم الجملة التي بعث من خلالها رسالة واضحة الى اسرائيل بأن المستوطنات بين أيدينا، ونحن على استعداد لضمان أمنها. هذا الكلام الذي يجب أخذه على محمل الجد، والمواقف الاخرى تأتي في اطار الاستهلاك المحلي. وكأنه يقول لا ضرورة للتفاوض مع الدولة اللبنانية. نحن نضمن أمن المستوطنات. مبادرة قاسم في 19/9/2024 والذي ناشد فيها المملكة العربية السعودية بفتح صفحة جديدة. وزيارة السفير السعودي وليد بخاري في 23/ 10/ 2025 الى المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى. وزيارة مدير المخابرات المصريّة حسن رشاد الى لبنان، وكلام قاسم ان "الحزب" قادر على ضمان أمن المستوطنات في الشمال الاسرائيلي. كل ذلك، يدل على ان هذا الحزب الذي ينهار على المستوى السياسي والاجتماعي والمالي والاقتصادي والعسكري وحتى المعنوي، يبحث عن طريق للخروج من أزمته من خلال اعلاء النبرة على المستوى الداخلي، ومن خلال فتح باب الحوار أكان بواسطة العرب أو مباشرة مع اسرائيل. وبالتالي، سنستيقظ في يوم من الايام، ونرى "حزب الله" مفاوضا مباشرا مع اسرائيل، وهذا ما يجب أن تتنبّه له القوى السياسية المحلية والدولة اللبنانية. "الحزب" ينتقل من ضفة الى أخرى ليبقى على قيد الحياة.
لكن وسط التهديدات بحرب موسعة على لبنان، وحديث السيناتور الأميركي ليندسي غراهام مؤخرا الذي شدد فيه على انّ "تركيزه ينصب على عزل ونزع سلاح "الحزب" في وقت تؤكد مصادر مقربة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب انه لن يسمح لإسرائيل بشن حرب جديدة على لبنان، وانه يريد بسط السلام في المنطقة كما وعد، يبقى التساؤل: هل يمكن لاسرائيل ان تقوم بأي مغامرة في لبنان بمعزل عن موافقة واشنطن أو انها تأخذ الضوء الاخضر منها حين تدق ساعة تحقيق مشروع "الشرق الأوسط الجديد"؟ وما هي الرسالة التي أراد قاسم إيصالها الى الداخل والخارج من خلال قوله أن الصمت على الخروقات الإسرائيلية لن يدوم طويلًا؟.
في هذا الاطار، يرى سعيد ان من يقول اننا على أبواب حرب موسعة لا يقرأ الواقع ولا يفهم في السياسة. لماذا تشنّ إسرائيل حربا موسعة طالما تحقق مطالبها وأهدافها ومكاسبها السياسية والعسكرية والمعنوية من خلال الغارات والاستهدافات اليومية دون أي ردّ؟ لماذا الحرب؟. علينا ألا نخاف من الحرب انما من انقلاب "الحزب" على نفسه، والانتقال من كلامه "الموت لآل سعود" الى صداقة آل سعود، ومن كلامه "الموت لاسرائيل" الى حماية المستوطنات شمال اسرائيل. هناك ضغوطات مالية واقتصادية وسياسية وعسكرية ومعنوية ووطنية على "حزب الله" الذي لم يعد لديه حليفا اقليميا يدافع عنه كما لم يعد لديه حليفا في الداخل. الحزب فقد الغطاء الوطني والاقليمي والعربي، وسيبحث بأظافره على طريق للخروج من هذه الازمة. واذا كانت هذه الطريق تتطلب التفاوض المباشر مع اسرائيل لن يتأخر بذلك.


