مقالات آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

بين الحديقة السوداء وغابة الإله.. صراع تاريخي في ناغورني كاراباخ

الصراع بين أرمينيا وأذربيجان حول منطقة ناغورني كاراباخ ليس وليد الساعة، فهو يعود إلى زمن ما قبل الإتحاد السوفياتي، حين بدأ عقب استقلالهما عن الإمبراطورية الروسية في أيار/مايو 1918 حول الأراضي التي ترى كل منهما أنها ملك لها وأبرزها إقليم ناغورني كاراباخ، وقد ازداد الصراع حدة عندما وهب رئيس الإتحاد السوفياتي جوزيف ستالين المنطقة إلى أذربيجان، ومن ثم عندما أعلنت المنطقة استقلالها من طرف واحد مع إنهيار الإتحاد السوفياتي. 

بين الحديقة السوداء وغابة الإله.. صراع تاريخي في ناغورني كاراباخ

يقع إقليم ناغورني كاراباخ داخل الأراضي الأذربيجانية، ويبلغ مساحته حوالي 4800 كيلومتر مربع، ومعظم سكانه من القومية الأرمنية، بالإضافة لمواطنين أذريين وأقلية كردية تمّ تهجيرهم بعد سيطرة الجيش الأرمني على المنطقة.

وتعني كلمة "ناغورني" في اللغة الروسية مرتفعات، بينما تعني "كاراباخ" الحديقة السوداء، أي أنّ الإسم يعني "مرتفعات الحديقة السوداء"، بينما يطلق الأرمن على الإقليم اسم "آرتساخ" والتي تعني غابة الإله "آر" أي "إله الشمس" عند الأرمن القدماء، في حين يطلق عليه الأذريين "يوخاري كاراباخ"، والتي تعني أيضًا مرتفعات الحديقة السوداء.

كيف بدأ النزاع في ناغورني كاراباخ؟

يعود تاريخ النزاع بين أذربيجان وأرمينيا بشأن السيطرة على ناغورني كاراباخ إلى فترة نهاية الإتحاد السوفياتي، فهذه المنطقة كانت جزءًا من جمهورية أذربيجان السوفياتية الإشتراكية، ولكنّها بأكثرية سكانية من الشعب الأرمني.

عام 1988، حصلت صدامات دموية بين الأرمن والأذربيجانيين، قامت على أثرها السلطات المحلية الأرمنية بالإعلان عن نيّتها الإنسحاب من أذربيجان والإنضمام إلى جمهورية أرمينيا السوفياتية الإشتراكية، لكنّ باكو (عاصمة أذربيجان) رفضت ذلك، ما أدّى إلى انفجار الصراع المُسلّح.

عام 1991، أعلن سكان ناغورني كاراباخ عن جمهوريتهم المستقلّة بموجب الإستفتاء، وفقًا للأصول القانونية السوفياتية في ذلك الوقت، وهكذا انقسمت أراضي أذربيجان السوفياتية إلى دولتين مستقلّتين، الأولى جمهورية ناغورني كاراباخ والثانية جمهورية أذربيجان.

عام 1994، سعت روسيا إلى وقف إطلاق النار وتوصّلت إلى تجميد النزاع بعد مقتل 30,000 قتيل وتهجير مليون نسمة من الطرفين. لقد طُرد جميع الأذريين من ناغورني كاراباخ، كما أنّ غالبية الأرمن قد أُرغِمَت على مغادرة أذربيجان. ومنذ العام 1994، تُسيطر أرمينيا ليس فقط على كاراباخ (حوالى 5000 كلم2)، بل أيضًا على سبع مناطق داخل أذربيجان سُمّيت بالأراضي المحتلة (حوالى 6500 كلم2).

واستمرّ الوضع الراهن بين أذربيجان وأرمينيا بشأن كاراباخ على حاله، حيث عُرف بحالة "لا حرب، لا سلم"، وإنّ المفاوضات بالنسبة إلى التوصل إلى حلّ قد بدأت من قبل روسيا والولايات المتحدة وفرنسا والتي تترأّس كل منها ما يُسمى بمجموعة "مينسك" (عاصمة بيلاروسيا) والعائدة إلى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وهي منظمة نشأت في العام 1992، وتتألف من 56 دولة من ضمنها روسيا والولايات المتحدة، وجميع دول أوروبا الغربية وجميع دول الإتحاد السوفياتي السابق.

يعتبر الصراع على إقليم ناغورني كاراباخ نزاعًا محليًا.. لكنه يندرج في إطار صراع إقليمي ودولي أكبر

وهكذا، بموجب الهدنة التي سعت إليها مجموعة مينسك المذكورة في العام 1994، وقّعت ناغورني كاراباخ وأرمينيا وأذربيجان اتفاق وقف إطلاق النار. وتتمركز منذ ذلك الوقت قوات أرمنية وتابعة لناغورني كاراباخ على طول 200 كيلومتر في حين تنتشر القوات الأذرية على الخط المقابل، حيث الحدود الملغّمة والمؤلّلة وغير المراقبة من قبل أي طرف ثالث.

وفي غياب عملية سلام شاملة استمرت انتهاكات وقف إطلاق النار بين الجانبين وبلغت ذروتها في "حرب الأيام الأربعة" عام 2016 ثم في خريف عام 2020، انتهت باتفاق وقعه البلدان تمت بموجبه استعادة أذربيجان الأراضي التي سيطرت عليها أرمينيا عام 1994 مع تأمين منفذ بري إلى داخل أذربيجان، وتم ذلك من خلال وساطة روسية.

المواقف الدولية

يعتبر الصراع على إقليم ناغورني كاراباخ نزاعًا محليًا، لكنه يندرج في إطار صراع إقليمي ودولي أكبر، وتعتبر كل من تركيا وروسيا وإيران، والولايات المتحدة من الدول المؤثرة والفاعلة في هذا الصراع.

تركيا

لم يتأخر الموقف التركي الداعم لأذربيجان بعد اندلاع الإشتباكات بين الطرفين، إذ أكّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنّ بلاده تدعم خطوات أذربيجان للحفاظ على وحدة وسلامة أراضيها.

وقال أردوغان الذي زار مؤخرًا جيب ناختشيفان الأذري، إنّ "انتصار أذربيجان في الهجوم الذي شنته الأسبوع الماضي في منطقة ناغورني كاراباخ، يفتح نافذة لفرصة التطبيع في المنطقة".

وأمل أردوغان، خلال مؤتمر صحافي مشترك إلى جانب نظيره الأذربيجاني إلهام علييف بعد مراسم وضع الأساس لخط أنابيب غاز من ناختشيفان إلى منطقة إغدير التركية، أن "تتخذ أرمينيا خطوات صادقة لاغتنام هذه الفرصة لتحقيق الإستقرار والسلام في المنطقة".

وتنطلق تركيا في دعمها لأذربيجان من مجموعة متشابكة من العوامل العرقية والدينية والإقتصادية والسياسية، حيث يعتبر الأذرين من القومية التركية ويتكلمون اللغة التركية، كما يربطهما الرابط الديني على الرغم من أنّ غالبية الأذرين من المذهب الشيعي، لكن تتخذ نموذجًا مغايرًا عن إيران، ما يجعلها محط اهتمام الساسة الأتراك في إطار التنافس الإقليمي مع إيران في هذه المنطقة، كما أنّ تركيا تعتبر أذربيجان بوابتها للولوج إلى دول آسيا الوسطى، لاسيما أن سكان بعض هذه الدول من أصول تركية، تسمى بالجمهوريات التركية.

كما تشكل العلاقة الاقتصادية المميزة بين البلدين مسألة مهمة بالنسبة إلى تركيا، وخاصة أنّ أذربيجان تعتبر من أهم الدول المصدرة للغاز الطبيعي، وتعتمد عليها تركيا في تقليل اعتمادها على الغاز الروسي والإيراني.

من جهة أخرى، يشكل العداء التاريخي بين تركيا وأرمينيا، لا سيّما بسبب أحداث 1915 وعمليات الإبادة الجماعية التي طالت الأرمن، إذ تسعى أرمينيا وأرمن المهجر لإقرار تسميتها بـ"المحرقة"، عاملاً مهما في الدعم التركي لأذربيجان.

روسيا

تعتبر روسيا منطقة القوقاز عمقًا استراتيجيًا لها ولا يمكن التفريط في استقرارها وأمنها، لكنها تعتبر أرمينيا في الوقت ذاته شريكًا استراتيجيًا على المستوى السياسي والعسكري والإقتصادي.

وفي إطار مساعيها للتهدئة، أشارت روسيا إلى أنّها "تعمل مع أرمينيا وأذربيجان في إطار دورها كضامن للأمن في منطقة جنوبي القوقاز".

واعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّ "تأثير تركيا على الوضع في كاراباخ (المتنازع عليها بين أذربيجان وأرمينيا) يعزز المصالحة في المنطقة". 

رفض المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، مؤخرًا "الإنتقادات الأرمينية لقوات حفظ السلام الروسية في ناغورني كاراباخ"، في تعليق على تصريحات رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، الذي وصف أمس تحالفات بلاده الحالية بأنّها "غير فاعلة".

وقال بيسكوف:"نحن نرفض بشكل قاطع كل المحاولات لتحميل المسؤولية للجانب الروسي، وقوات حفظ السلام الروسية في ناغورني كاراباخ التي تتصرف ببسالة"، رافضًا أي "مأخذ عليها أو اتهامها بالتقصير".

وأضاف: "إنّ روسيا تعتبر أرمينيا حليفتها، وستظل على اتصال مع قيادتها، لكنّها ترفض محاولات يريفان إلقاء اللوم على موسكو في الوضع في كاراباخ"، لافتًا إلى أنّ "روسيا ستعمل على ضمان احترام حقوق عرقية الأرمن في كاراباخ".

ورغم التصريحات الروسية الحيادية، إلاّ أنّ الموقف الروسي تاريخيًا كان منحازًا إلى الجانب الأرمني، حيث كانت روسيا المورد الرئيسي للسلاح إلى أرمينيا خلال الحرب بين عامي 1992- 1994.

بالمقابل تسعى روسيا من خلال دعمها لأرمينيا، تحجيم الدور التركي في القوقاز، بالإضافة الى منع تواصل تركيا مع "الجمهوريات التركية" في آسيا الوسطى.

أعلنت أذربيجان عن إطلاق "عمليات لمكافحة الإرهاب" تستهدف القوات الأرمينية في إقليم ناغورني كاراباخ 

إيران

تعتبر إيران من الدول الداعمة لأرمينيا في الصراع مع أذربيجان رغم ادعائها الحياد، وهو ما يثير التساؤل لماذا تدعم إيران أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان ذات الغالبية الشيعية؟

يرتكز الموقف الإيراني بدعمها لأرمينيا على جانبين الأول اقتصادي، كون أرمينيا تحتاج إلى النفط الإيراني، بينما أذربيجان دولة مصدرة للنفط.

أما الجانب الثاني والأهم، فهو تحالف أذربيجان مع تركيا على أساس القومية الطورانية، حيث ينظر كثير من القوميين الأذريين إلى إيران على أنّها دولة محتلة، كونها تحتل جزءًا مهما من الوطن الأذري. الى جانب التعاون العسكري الوثيق بين اذربيجان واسرائيل وإقامة الأخيرة قواعد عسكرية لها على حدود ايران. 

كما تخشى طهران من أنّ انتصار أذربيجان سيعزز الروح القومية لدى الأقلية الأذرية في إيران، والتي تعتبر القومية الثانية بعد الفرس في إيران حيث تبلغ نسبتهم 16 في المئة من سكان إيران.

ونظرا لحساسية الوضع، زار وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو طهران، يوم الثلاثاء، على رأس وفد عسكري رفيع المستوى، وبحث مع قائد الأركان الإيراني تطورات الأوضاع في إقليم ناغورني كاراباخ.

أميركا

على أثر تجدد المعارك، قال وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن إنّ "الأعمال العسكرية غير المقبولة التي تقوم بها أذربيجان، تهدد بتفاقم الوضع الإنساني في ناغورني كاراباخ". داعيًا الى الوقف الفوري للأعمال العدائية والذهاب إلى حوار مباشر.

وتتبادل كل من موسكو وواشنطن الإتهام بزعزعة الإستقرار في منطقة جنوبي القوقاز، في ظل فرار الآلاف من الأرمن من منازلهم في ناغورني كاراباخ بسبب الخوف من التطهير العرقي.

أكثر من 65036 شخصًا عبروا من ناغورني كاراباخ إلى أرمينيا

عملية عسكرية في ناغورني كاراباخ

وفي التاسع عشر من الشهر الحالي، أعلنت أذربيجان عن إطلاق "عمليات لمكافحة الإرهاب" تستهدف القوات الأرمينية في إقليم ناغورني كاراباخ المتنازع عليه، وذلك بعد ساعات من مقتل 6 مواطنين أذريين في انفجار لغمين بحادثين منفصلين. وأشارت الى أنّها سيطرت على أكثر من 60 موقعًا للجيش الأرميني.

وقالت وزارة الدفاع الأذربيجانية في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني: "تمّ إطلاق عمليات لمكافحة الإرهاب داخل كاراباخ"، مشيرةً إلى أنّ "العملية لن تستهدف المدنيين أو البنية التحتية المدنية".

وأشارت إلى أنّ قواتها "دمرت المعدات العسكرية التابعة للإنفصاليين الأرمينيين، بما في ذلك مركبات عسكرية ومنصات، لإطلاق قذائف مدفعية وصواريخ مضادة للطائرات".

في غضون ذلك، نفت أرمينيا أن يكون لديها أي وجود عسكري في المنطقة، زاعمة أنّ الآلاف من الأرمن أُجبروا على الفرار من منازلهم بسبب القتال الدائر هناك.

أرمن ناغورني كاراباخ 

ووصل أكثر من نصف أرمن منطقة ناغورني كاراباخ، والذين كان عددهم يبلغ 120 ألفًا، إلى أرمينيا بعد النصر الذي حققته أذربيجان في عملية عسكرية خاطفة ضد المنطقة الإنفصالية.

وقالت المتحدثة باسم رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان إنّ "أكثر من 65036 شخصًا عبروا من ناغورني كاراباخ إلى أرمينيا".

وأضافت: "إنّه لن يتبقى أي أرمني في منطقة ناغورني كاراباخ في غضون أيام".

تصفية ناغورني كاراباخ

وقع رئيس جمهورية كاراباخ غير المعترف بها، مرسومًا بحل كل المؤسسات الحكومية في الجمهورية حتى 1 كانون الثاني/يناير 2024.

وجاء في المرسوم: "حل جميع مؤسسات الدولة والمنظمات الخاضعة لتبعيتها الإدارية حتى 1 كانون الثاني 2024، وتنتهي جمهورية كاراباخ من الوجود".

وتمّ إصدار الأوامر لسكان كاراباخ، بما في ذلك الذين يعيشون خارج الجمهورية، بعد دخول المرسوم حيز التنفيذ، بالتعرف على شروط إعادة الإندماج التي قدمتها أذربيجان، كي يقرروا بعد ذلك بشكل مستقل ما إذا كانوا سيبقون في المنطقة أم لا.

ويدخل المرسوم حيز التنفيذ فور نشره.

تجدر الإشارة إلى أنّ "القرار تم اتخاذه في ما يتعلق بالوضع العسكري السياسي الراهن والمعقد، على أساس أولوية ضمان الأمن المادي والمصالح الحيوية لشعب كاراباخ، مع الأخذ في الإعتبار الإتفاق الذي تمّ التوصل إليه من خلال وساطة الإتحاد الأوروبي، وقيادة وحدة حفظ السلام الروسية مع ممثلي جمهورية أذربيجان لضمان المرور الحر والطوعي ودون عوائق لسكان كاراباخ، بما في ذلك مرور الأفراد العسكريين الذين ألقوا أسلحتهم مع ممتلكاتهم في مركباتهم على طول ممر لاتشين، وتوجيههم بموجب المادة 93 من دستور كاراباخ.


يقرأون الآن