ألغت المحكمة الإسرائيلية العليا، اليوم الاثنين، القرار الذي ينص على "إلغاء عدم المعقولية"، الأمر الذي يعجل في تفكك الحكومة، ولاسيما أن القانون أثار الكثير من الجدل في السابق. فما هي هذه العقيدة.
أقر الكنيست الإسرائيلي في حزيران/يوليو الفائت تشريعا جديدا ضمن مشروع الإصلاح القضائي المثير للجدل، من شأنه أن يحد من قدرة المحكمة العليا في البلاد على مراجعة "معقولية" قرارات الحكومة.
ويعد "حجة المعقولية"، البند الرئيسي الأول في خطة تتبناها الحكومة اليمينية الإسرائيلية بزعامة، بنيامين نتانياهو، التي واجهت معارضة واسعة لهذا المشروع، بما في ذلك من الولايات المتحدة.
وكان القانون قد ألغى إحدى الأدوات التي تستخدمها المحكمة العليا لإلغاء قرارات الحكومة والوزراء، وليس جميعها، ونزع سلطة المحكمة لإبطال ما تعدها قرارات "غير معقولة".
وقالت المحكمة في بيان إن ثمانية من أصل 15 قاضيا حكموا لصالح إلغاء القانون.
وفي أول تعليق على الغاء القانون، أبدى حزب الليكود بزعامة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اعتراضه على اعتبار أن الخطوة "تتعارض مع إرادة الشعب في الوحدة وبخاصة في وقت الحرب".
تظاهرات
وعلى مدى الأشهر الماضية، خرج مئات الآلاف من المواطنين الإسرائيليين في بلد يزيد عدد سكانه عن تسعة ملايين نسمة، إلى شوارع تل أبيب ومدن رئيسية أخرى في نهاية كل أسبوع للاحتجاج على هذا المشروع.
ويقف خلف صياغة بند "المعقولية" عضو الكنيست عن الائتلاف الحاكم، سيمشا روثمان، وهو مقترح مررته لجنة الدستور والقانون والعدالة بالكنيست مطلع الشهر الحالي بعد 9 جلسات تم خلالها إعداد النص النهائي لهذا التعديل الجدلي.
وأقر الكنيست في 11 جزيران/يوليو القراءة الأولى للقانون بأغلبية 64 مقابل 56، فيما تم إقرار القانون في قراءته الثانية والثالثة، وهي خطوة ضرورية ليصبح قانونا نافذا.
ويرى نتانياهو وحلفاؤه أن الإصلاح القضائي سيقلل من تجاوز القضاة غير المنتخبين في قرارات الحكومة المنتخبة من الشعب.
في المقابل، يعتقد المنتقدون أن المشروع سيقضي على الضوابط والتوازنات المهمة التي تدعم الديمقراطية الإسرائيلية.
ما هو بند "المعقولية"؟
وتطبق دول عدة "عقيدة المعقولية" في نظامها القضائي، بما في ذلك المملكة المتحدة وكندا وأستراليا، بحسب شبكة "سي أن أن" الإخبارية.
وتستخدم هذه العقيدة بشكل شائع من قبل المحاكم لتحديد دستورية أو قانونية تشريع معين، ويسمح للقضاة بالتأكد من أن القرارات التي يتخذها المسؤولون الحكوميون "معقولة".
في إسرائيل، يلغي هذا البند إمكانية نظر المحكمة العليا في "معقولية" قرارات الحكومة.
بموجب القانون الجديد، ستكون الحكومة قادرة على تعيين وفصل المسؤولين في القطاع العام من دون تدخل من المحكمة.
وقبل تشريع هذا القانون، كانت المحكمة العليا تمارس رقابة قضائية على عمل الأذرع المختلفة للسلطة التنفيذية، المتمثلة بالحكومة ووزاراتها والهيئات الرسمية التابعة لها.
ولكن التعديل الجديد، سيعطي الحكومة صلاحية أوسع في تعيين القضاة أنفسهم ويؤثر خصوصا على تعيين الوزراء.
في كانون الثاني/يناير الماضي، أجبر قرار من المحكمة العليا، نتانياهو على إقالة المسؤول الثاني بالحكومة وحليفه الأكثر ولاء، أرييه درعي، المدان بتهمة التهرب الضريبي بعد حكم صادر عن المحكمة العليا.
وبحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فإن هذا البند اكتسب أهمية بالغة في البلاد بعد إقالة المحكمة العليا لدرعي الذي كان وزيرا للصحة والداخلية.
وجاء أساس التنحية لأحد حلفاء نتانياهو بعد أن أدين درعي ثلاث مرات بارتكاب جرائم جنائية وفشل في مناصبه العامة السابقة في "خدمة الجمهور بإخلاص وقانون"، وفقا للصحيفة ذاتها.
وقال الباحث البارز بالمعهد الإسرائيلي للديمقراطية، أمير فوكس، إن معيار "المعقولية" يشير إلى التوازن بين المصالح السياسية والعامة في صنع القرار.
ولذلك فإن القرار "غير المعقول" هو الذي "يركز بشكل غير متناسب على المصالح السياسية دون مراعاة كافية لثقة الجمهور وحمايته"، كما قال فوكس لصحيفة "هآرتس".
ما هو تاريخ "المعقولية"؟
ويملك استخدام معيار "المعقولية" كأساس لإلغاء قرار حكومي، تاريخا طويلا في القانون البريطاني وكان جزءا من النظام القانوني الإسرائيلي منذ تأسيس الدولة عام 1948، وفقا لفوكس.
وكان للقانون العام البريطاني خلال فترة الانتداب (1920-1948)، تأثير كبير على تطور القانون الإسرائيلي، بما في ذلك معيار "المعقولية".
خلال ذلك الوقت، أدخلت سلطات الانتداب البريطاني القانون الإنكليزي في الإطار القانوني للأرض التي أصبحت فيما بعد دولة إسرائيل.
ويعتبر النظام القانوني في إسرائيل مستوحى من القانون اليهودي (هالاخاه) والقانون العام البريطاني والمبادئ التي تتبناها الأنظمة القانونية الغربية الأخرى، وفقا للجنة اليهودية الأميركية (AJC)، وهي منظمة عالمية للدفاع عن الشعب اليهودي.
وتقول هذه المنظمة إن القانون اليهودي له تاريخ طويل في التأكيد على "المعقولية والإنصاف" في اتخاذ القرارات القانونية.
ويشمل مبدأ "derech eretz" بالعبرية (تعني طريق الأرض) في القانون اليهودي السلوك الأخلاقي والسلوك المعقول، حيث أنه يوجه الأفراد إلى التصرف بطريقة عادلة ومنصفة ومراعية للآخرين.
وفي حين أنه نادرا ما تم استخدامه خلال العقود الأولى من تاريخ إسرائيل، فقد تم تطبيق معيار "المعقولية" بشكل متكرر في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، حسبما قال الباحث فوكس.